الأسطورة وتمثلاتها الشعبيَّة

فلكلور 2021/02/03
...

باسم عبد الحميد حمودي
 
 
جمع طلبة الثقافة الشعبيَّة في أرجاء العالم المتحضر أساطير الشعوب القديمة، خلال القرن التاسع عشر، ووجد الدارسون لها أنها لا تعدّ حكايات خرافيَّة تقرأ للتسلية ولتزجية أوقات الفراغ, بل إنها تمثل أدوات علميَّة خطيرة وغنية بما توفره من إمكانات تثير الكثير من النقاشات حول حضارة البلاد التي أنتجتها ومجتمعها.
من هذه الأساطير خرجت الدراسات التطوريَّة في الأثنوغرافيا (تايلر) والأيكولوجيَّة (داريل فورد) والنفسيَّة (فرويد) والوظيفيَّة (ماليونفسكي) والسوسيولوجيَّة (دوركايم وتلامذته) والعقيديَّة (بارسونز)، وعليها أيضا اعتمدت معظم تجارب المسرح اليوناني القديم.
نظم هوميروس الالياذة والاوديسة لا للقراءة والاستمتاع الأدبي المحض, بل للتلاوة والإنشاد في المحافل ومجامع السمر, كما يؤكد دريني خشبة في (ص 7) من ترجمته لقصة طروادة، وهوميروس بذلك مارس دور المنشد الشعبي، الحكواتي الجوال الذي كان يتحرك بين الأمصار لينشد للناس تاريخهم الأسطوري بلغة شعبيَّة سهلة ممتنعة، وهو بذلك يتشابه مع دور الحكواتي في العالم العربي الذي كان يروي للأجيال الماضية حكايات وملاحم عنترة والمياسة والمقداد والزير والسيرة الهلالية والأميرة ذات الهمة وفتوح اليمن وسواها.
من هنا كانت الالياذة ملحمة شعريَّة وشعبيَّة مثلما كانت الحكايات الشعبيَّة العربيَّة حاوية للأساطير والخرافات، فضلاً عن تدوين بعضها أجزاءً من التاريخ الشعبي، وهذه قضية تستحق الدراسة على حدة، إذ لا علاقة مباشرة لها بالأساطير إلا من باب الرواية (الحكي) والإنشاد.
يسأل رولان بارت بعد عددٍ من الصفحات من كتابه (الأسطورة اليوم) عن خصوصيَّة الأسطورة ثم يجيب: (خصوصيتها تعني تحويل المعنى الى شكلٍ.. وبعبارة أخرى الأسطورة دوماً هي اختلاس اللغة)، وهو إذ يحلل الأسطورة من جانبها اللغوي السسيولوجي يعدها لغة مختلسة من الماضي بوصفها لغة لا تريد أنْ تموت. 
المهم أنَّ النقد الشكلاني الحديث بدأ بدراسة المجتمعات البدائيَّة الأولى ليحلل لنا فكرها الأسطوري والغنائي, فكرها التراثي، وأنك لتجد ذلك واضحاً لدى ستراوس في (الفكر الوحشي) 1962 و(أسطوريات) 1964، فضلاً عن اهتمامه بالموسيقى الشعبيَّة.
وقد أسهب بول ريكور في كتابيه (الإنسان الخاطئ) و(رمزيَّة الشر) في تقديم الأمثلة الوافرة من الإنجيل والأساطير اليونانيَّة ليستخرج منها مفاهيم الشر والغفران، كما تقول أديث كروزويل في كتابها (عصر البنيويَّة) ص102 باحثاً في أساطير الخلق الأولى وأساطير الشرق الأوسط.
ظل الاهتمام بالموسيقى في مؤلفات هؤلاء الدارسين عاملاً أساسياً من عوامل البحث مثلما اهتمت الحركة الرومانتيكيَّة قبلهم بأغاني الحكايات الشعبيَّة، وقد ظل الاهتمام بهذه الحكايات وتقسيمها علماً متصلاً حتى يومنا هذا وفي دراسات تتجدد باستمرار تجدد الدراسات حول الأسطورة الشعبيَّة وتمثلاتها.