الشاعر ثائر شريف.. كتب بأجناس الشعر المتعددة

فلكلور 2021/02/03
...

 راسم الأعسم

 
 
ثمة أسماء لشعراء مبدعين رسخوا أسماءهم على خارطة المشهد الأدبي الدغاري من خلال ما قدموه من منجزٍ إبداعي ثر، من أمثال الشاعر كزار حنتوش، علي الشباني، يعقوب جواد، جابر حسن، كفاح عبد الحمزة وغيرهم، وبالتأكيد أن الشاعر الراحل ثائر شريف هو واحد منهم.
مولع منذ صباه
ولد الشاعر في أسرة مثقفة تعاطت كتابة الشعر، فقد كان والده المرحوم شريف راضي معلماً وشاعراً كتب العديد من القصائد الشعبيَّة وبسبب عدم تدوينها فقد فقدت مع مرور الوقت رغم أنَّ البعض ما زال يحفظ له القليل منها. فلا عجب أنْ نشأ شاعرنا محباً للشعر ومولعاً به منذ صباه مانحاً إياه مساحة كبيرة من وقته.
قدر له أنْ يطلع على الكثير من التجارب الشعريَّة الراكزة في الأدب الشعبي العراقي لقامات شعريَّة عراقيَّة شاخصة من أمثال تجربة الشاعر الشعبي الحاج زاير وحسن الشيخ كاظم وعريان السيد خلف وصاحب الضويري وعبد الواحد معلة وكاظم اسماعيل الگاطع وغيرهم، كما ألمَّ إلماماً كافياً بالثقافة الشعريَّة التي كان يراها ضروريَّة لأي شاعر يريد أنْ يخوض غمار هذا المعترك الأدبي، فأدرك بوعي نافذ أسرار الصنعة الشعرية وخبر أوزان الشعر وبحوره وصياغة صوره البلاغيَّة والفنيَّة، الأمر الذي انعكس بشكلٍ واضحٍ على طبيعة نصوصه الشعريَّة، التي جمعت بين متانة السبك اللغوي وجمالية الأداء التعبيري وثرائها بلغة اتسمت بالعذوبة والبساطة بعيدة عن الترهل والإطالة.
 
الشعر بكل أجناسه
كتب الفقيد الشعر الفصيح والشعبي بكل أجناسه وأشكاله الأدبيَّة وأجاد فيها إجادة تامَّة تبعث على الدهشة والإعجاب. فهذه بعضٌ من أبيات قصيدة كتبها باللغة الفصحى بعنوان (الحسين ع):
إني لا أطمع في كنف تنافسني
في السماء وشمس الله والنجم
كل الخلائق في سهل وفي جبل
وفي هضاب وفي وادٍ وفي القمم
حتى الملائك في عليين ترمقني 
ترنو اليه وتسعى نحوه القيم 
إني لأندم من عمر مضى هدراً 
واليوم عدت بحبل الله معتصم
إنَّ من يتأمل أشعاره يجدها انعكاسات لواقع الحياة الاجتماعيَّة التي عاشها بكل أفراحها وأحزانها وقيمها الإنسانية فجاءت تعبيراً صادقاً عن تطلعاته نحو حياة حرة كريمة بعيدة عن الظلم والاضطهاد والتسلط الطبقي. كان الشاعر الى جانب ذلك ينوء بحمل همومه وأحزانه الدفينة التي أثقلت كاهله، ما جعل مفردات اللوعة والغربة والضجر واليأس والوحدة تشيع في قاموسه الشعري، فها هو يقف وحيداً يكابد أحزانه من دون أنْ يجدَ من يساعده ويشد من أزره:
الوكت خلاني اشوف نجوم ظهراي 
انه المكشوف للمخلوك ظهراي 
احترت بيمن اشد احزام ظهراي 
بخوتي اللي اگطعوا حبل الوصل بيه
لكنه لم يجد أمامه في كل ذلك سوى أنْ يستعين بالصبر عوناً على شدائد الحياة وهمومها.
ما انسه بيه شصار زين اذكر اني 
واصبر واگول اتهون صطرت زماني
ولشد ما يؤلمه ويقض مضجعه ألا يجد في نفسه القدرة على الثبات والصبر بوجه النوائب والشدائد التي تحاصره لأنه لا يقوى على تحملها.
شصبر شضمد الروح شتحمل اني 
ساعة وطحت ومسيت فرجه لزماني 
كان الشاعر كثير الشكوى والتذمر من المعاناة والهموم التي ما انفكت تذيقه مرارة الحياة وتحمله ما لا يطيق.
حسباتي حيل اثگال گلفه وثچيله 
يترس سفينة نوح حملي من اجيله 
وحين لا يجد أمامه مفراً للخلاص عما يخفف من معاناته سوى إيمانه بالله الذي هو خير معين وسند له على تحمل نوائب الدهر.
الخضر وج وصار لليابس وگود 
ذني السدن كلفات بس الله موجود 
وكم كان الشاعر يمني نفسه حين يذهب للسوق ليقتني متطلبات معيشته الباهظة بأنْ يكون مسروراً فرحاً كما الآخرين فلا يعكر صفوه ويفاقم همه عسر ذات اليد:
يا يوم اطب للسوك واسرج ذلولي 
واضحك سويت الناس وامشي عله طولي
وكم كان يؤلمه أنْ تتكشف معاناته للآخرين لأنها ستنتقص من كبريائه وعزة نفسه أمامهم وتكون مبعثاً لشماتتهم وهزئهم فطالما كان يكابر ويتجلد فيلوذ بالصمت وعدم البوح بها أمامهم لأنه لم يجد من يخلصه ويعينه عليها:
دكت الدنيا وياي عيب احجي بيه
الغرگت وي الراك اطتني اديهه
ويستوحي شاعرنا من القرآن الكريم ، (سورة يوسف) الآية 43 دلالة للمعنى الذي أراد الإشارة إليه ليصف لنا فداحة الحصار الجائر وقساوته الذي نال من كرامة الإنسان وأذل كبرياءه لكنه استطاع أنْ يفرز معادن الرجال خيرهم وشرهم:
ذني العجاف الگال يوسف عليهن
يتفرزن الكّواك والدوني بيهن 
ويتطلع الشاعر بلهفةٍ وشوقٍ كبيرين الى لقاء أحبته ومريديه الذين هجروه وتركوه وحيداً يجتر لوعة العزلة والفراق التي أوجعته كثيراً فيتساءل في سره عن سبب هذا الهجران:
عجب للساع ما حنيت ما جيت 
ودموع العين من فرگاك ما جيت
تراني مو عدل بچفاك ماجيت
متى شوفك ترد الروح اليه 
وتتردى صحته بسب المرض العضال الذي ظل يعاني منه فلم يبق أمامه إلا أنْ يصرخ من أعماق قلبه عسى أنْ يمنَّ الله عليه بالشفاء:
تربه الداي يبني بين ينباي 
اكلني وركب ويه العگل ينباي
أصيح الغوث يا بوحسين ينباي
أريد العافيه گبل المنيه 
وحين دنت ساعة الرحيل راح يتوسل بولده (حسين) أنْ يقفَ الى جواره وألا يتركه وحيداً يتجرع مرارة الرحيل كما تركه الآخرون وهو في أشد اللحظات ألماً وتوجعاً:
يحسين اريد ارباي ارباي اريده 
واليزرع الطيبات يحصده بيده
توفي رحمه الله في 3/ 7/ 2015 تاركاً خلفه تراثاً أدبياً غزيراً نأمل أنْ يبادر ذووه الى جمعه وطبعه في ديوان شعري يليق بمكانته الشعرية وإحياءً لذكراه الخالدة.