أطفال القوقعة مهددون بالعيش في عالم الصمت
ريبورتاج
2019/02/02
+A
-A
بغداد / فجر محمد
كانت تتحرك كأنها فراشة بين الانحاء، فتارة تبتسم واخرى تحاول ان تتكلم وتتواصل مع العالم الاخر الطفلة سيهدين عبد الجبار ذات الخمسة اعوام ولدت بعصب سمعي ميت، ما اضطر عائلتها الى اجراء عملية زرع القوقعة لها، وتروي حكايتها والدتها زينب سلمان قائلة:
"عندما بلغت ابنتي التسعة اشهر لاحظت انها لا تستجيب لي كالاطفال الطبيعيين، فعندما اناديها لا تلتفت ولا تزعجها الضوضاء او صوت السيارات، وهذا دفعني الى القيام بجميع الاجراءات والفحوصات الطبية للوقوف على المشكلة التي تعانيها صغيرتي، وبعد ان قمت بكل ما هو مطلوب اكتشفت ان سيهدين لن تتمكن من السماع مرة اخرى، الا اذا قمنا بزراعة القوقعة السمعية لها".
رحلة مضنية
تتمتع والدة سيهدين بالعزيمة والاصرار، اذ انها فضلت، على حد قولها، ان تواجه المشكلة وتجد حلاً لطفلتها الصغيرة، عوضاً عن ان تسمح لها بالعيش في عالم الصمت وتقول الام وهي تحتضن صغيرتها:
"بعد ان تأكدت من الخلل السمعي الذي تعاني منه سيهدين، قررنا ان نجري لها عملية زراعة القوقعة السمعية التي كانت قبل عام 2007 وما قبله غير متوفرة بالبلاد، لذلك كانت العائلات تضطر الى ارسال اولادها الى الخارج لغاية عام 2014 ، بعدها صارت العملية تجرى داخل اروقة مدينة الطب وبنجاح، ولكن ضمن قائمة انتظار قد تصل الى اربع سنوات يكون الطفل حينها قد فقد وقتاً كثيراً من عمره دون تعلم ولا نطق ولا صوت، ولكن سيهدين الصغيرة كانت اكثر حظاً من بقية الاطفال، اذ اجريت لها العملية بعمر العام الواحد تقريباً، في حين ان اقرانها قد تصل اعمارهم الى اربع سنوات او اكثر دون علاج".
تلف وقدم الأجهزة
للقوقعة السمعية مناشئ متعددة وشركات مختلفة، من بينها كوكلير و ادفانس بيونكس وغيرها وكل واحدة من هؤلاء مهمتها ان تقوم بعملية صيانة الاجهزة وبرمجتها، وتمنح في العادة فترة ضمان تصل الى خمسة اعوام، وبالنسبة لشركة ادفانس فهي غير موجودة حالياً بالبلاد وقد سبب هذا مشاكل متعددة لذوي الاطفال، لان القوقعة السمعية باهظة الثمن قد تصل الى اكثر من 8آلاف دولار.
حنان ثامر الشقيقة الكبرى للطفلة دينا، ذات الخمسة اعوام التي تعاني هي ايضاً من تلف العصب السمعي، لذلك اجريت لها عملية زراعة قوقعة ولكن هذا الجهاز كما تقول حنان:
"بحاجة الى صيانة وبرمجة لان بدونهما لن تتمكن الصغيرة من سماع الاصوات بل بالعكس قد تصاحب الترددات المختلفة عمليات تشويش ما يؤثر سلباً في الطفل، كل هذه المعاناة دفعت عائلة دينا الى استبدال ادوات القوقعة من خارج بغداد وبأثمان باهظة، لذا فهي تناشد مع باقي عائلات الاطفال وزارة الصحة بمعالجة هذه المشكلة وان تتواجد مكاتب لجميع الشركات وعلى وجه الخصوص أدفانس بيونكس.
رعاية الأطفال
لان طفل القوقعة قادر على ان يكون طفلاً طبيعياً ويعيش حياته كأقرانه، ومن الممكن ان يكمل مشواره الحياتي دون مشاكل، لذلك فهو بأمس الحاجة الى التأهيل، وفي بغداد وجدت منظمة خيرية (فائزة للأطفال ضعيفي السمع) تهدف الى توفير مدربين قادرين على التعامل مع هؤلاء الصغار، المديرة التنفيذية للمنظمة زينة راشد عبدالله تتحدث بحسرة والم واضحين عن معاناة اطفال القوقعة قائلة:
" نستقبل العديد من الصغار الذين يعانون من تلف العصب السمعي، وكلما كان عمر الطفل صغيراً كانت فرصه بالتعلم اكثر، واحياناً يصلنا الطفل وقد تجاوز الاربعة او الخمسة اعوام وهنا تكون عملية تعليمه غاية في الصعوبة، لأنه من المتعارف عليه ان الصغار يبدؤون بالتعلم منذ الايام الاولى لمجيئهم الى الحياة.
الكثير من العوائل اضطرت الى التوقف عن محاولات علاج وتدريب اولادها بسبب الفقر والعوز، وغالباً ما يكون هناك اكثر من طفل في العائلة يعاني من تلف العصب السمعي ولا تستطيع عوائلهم ان تدفع تكاليف العلاج.
نسبة العجز
على الرغم من المشاكل السمعية التي تعاني منها سيهدين الا انها طفلة مرحة وتحب الاكتشاف والتعلم، ففي صفها الدراسي بداخل المنظمة لم تتوقف عن الحركة والنشاط وتقليب الصور التي تضعها امامها مدربتها زهراء الجبوري.
وتبين المدربة ان اطفال القوقعة غالباً ما يتميزون بالذكاء والنشاط والحيوية وحب المعرفة والاطلاع، ومن الخطوات الاولية ان يتعلم الطفل الاصوات الاساسية وهي (ا، و، ش، و، م).
اما ام سيهدين فتشير الى ان اللجان الطبية تعد اطفال القوقعة اصحاء وليس لديهم اي عجز يذكر، ولذا فهم ليسوا من ذوي الاحتياجات الخاصة، وتعتمد وزارة العمل والشؤون الاجتماعية على تقرير الصحة، في حين من المفترض ان تخصص لهم رواتب وتحسب لذويهم اجازة لرعاية الاطفال، فضلاً عن ضرورة ايجاد صفوف خاصة لهم بالمدارس عوضاً عن زجهم مع اطفال التوحد والتخلف العقلي، لان هذا من شأنه ان يؤثر في استجابتهم للعلاج بل وقد يؤدي الى تراجع كبير.
طبيب الاسرة والمجتمع الدكتور احمد الرديني يرى ان عملية زرع القوقعة من الأمور التي يحلم بها الابوان لاستعادة طفلهم السمع، وبالتالي المساعدة على النطق بالشكل المثالي، لكن قبل هذه الفترة قد يكون الطفل أصبح من ذوي الاحتياجات الخاصة وايضا قد نجده أصبح معزولاً أو يعاني من صعوبة بالتواصل مع الأطفال الآخرين أو أصدقائه أو حتى عائلته، وبالتالي لديه عزلة أو اضطراب نفسي نتيجة لاعتبار الحالة التي يعاني منها عيباً أو غيرها من الأمور التي تنعكس بشكل سلبي عليه، وحتى بعد عملية زرع القوقعة واستعادة السمع، لا بد أن تدرك العائلة أهمية التأهيل السمعي والنفسي أو الاثنين معاً لما لهما من أهمية كبيرة في تغيير في نفسية الطفل وإكمال التأهيل السمعي بالشكل المطلوب، وحل المشكلة يتطلب وقتاً طويلاً قد يصل إلى عدة سنوات للوصول إلى الهدف المنشود، ومن أهم الأمور في هذا المجال تشجيع الطفل على المحادثة الجماعية مع اقرانه وتعلم أشياء جديدة قد يسبقها تعليم سمعي من قبل الاهل أو مراكز التأهيل لتعلم الأصوات ومعرفة ما هي، حيث أن التعليم بعد عملية الزراعة سيتيح للطفل التعرف على الأصوات ومعانيها، فنحن نتحدث عن طفل قام بسماع الاصوات لأول مرة، لذا فهو بحاجة الى الدعم النفسي، وان يتمتع الوالدان بروح المطاولة والصبر، ومن الاساسيات المهمة بناء الثقة في نفس الطفل لان هذا يحقق عامل النجاح بوقت اقصر والوصول إلى النتيجة المطلوبة.
دلال مفرط
ولان اطفال القوقعة عندما يولدون يعيشون اوضاعاً خاصة ويحتاجون الى الرعاية، يلجأ الابوان وافراد العائلة الى تدليلهم بشكل مفرط والانصياع لطلباتهم، هكذا تحدثت المدربة سهى وتابعت قولها:
"لكي نسيطر على الاطفال داخل الصف الدراسي فنحن بحاجة الى تعاون اولياء امورهم، لاسيما ان هؤلاء الاطفال يقضون ساعاتهم الاطول برفقة عائلاتهم، لذلك تحاول المدربة المعنية بمتابعة الطفل ايلاءه الاهتمام الاكبر وبنفس الوقت زرع الثقة فيه كي يكون قادراً على مواجهة مشاكله والصعوبات التي تكتنف
حياته".
الباحثة بالشؤون الاجتماعية والنفسية الدكتورة ندى العابدي تبين ان الاطفال قد يعانون من مشاكل صحية مختلفة تجعلهم مختلفين عن اقرانهم الاصحاء، لذلك يتعامل معهم الوالدان بشكل فيه تمييز وانحياز واضحين، ما يجعل الطفل يقتنع تماماً انه ذو قدرات وامكانيات محدودة، فينمو بشخصية حساسة جداً وهذا الامر سينعكس سلباً عليه مستقبلاً، اذ يصبح ميالاً للعزلة والانطواء وعدم الاختلاط مع الاطفال الاصحاء، في حين من الاصح ان يكون هناك احتواء عاطفي لكن بوعي وادراك، ومحاولة تعزيز مهارات الطفل الذي يعاني من مشاكل سمعية، وكم من شخص عانى من ضعف السمع او حتى فقدانه لكنه اصبح شخصية مشهورة ومعروفة وعلى سبيل المثال نستذكر بتهوفن الذي فقد سمعه تماماً في مرحلة عمرية لاحقة، لكنه واصل الابداع، لذلك من المهم ان يهتم الآباء والامهات باطفالهم عن طريق التحدث معهم بلغة منطقية
وتحفيزية.