قفزات روسية لإحياء {المجد السوفييتي}

آراء 2021/02/06
...

   د. قيس العزاوي 

 لم يعد الولوج الى المياه الدافئة الذي راود روسيا القيصرية حلما فحسب، فقد اصبح حقيقة ميدانية، روسيا اليوم مستقرة بقواعدها البحرية (طرطوس) والجوية (حميميم) وقرابة 66 موقعاً عسكرياً روسيا في سوريا، ولروسيا وجود ونشاطات عسكرية في ليبيا، وتعتزم إقامة قواعد عسكرية في  6 دول أفريقية بينها دول عربية، وصفقات بيع اسلحتها التي اقتصرت في السابق على الجمهوريات العربية، سجلت قفزة بنجاحها في غزو اسواق الدول الخليجية وبعض الممالك العربية. 

  لقد نجحت روسيا فلادمير بوتين بكثير من الميكافيلية بالتعامل مع المتناقضات: فهي تدعم سوريا وتسلحها وتتعامل بواقعية مع عدوتها تركيا وتبيع لها السلاح، وهي تدعم ايران وتسلحها وتتعامل بواقعية مع عدوتها الدول الخليجية، وهي تفعل الامر ذاته في علاقاتها مع فلسطين واسرائيل، وكذلك مع ايران واذربيجان وارمينيا ومع الهند وباكستان. لا مكان في سياساتها للمبادئ، فالاولوية على الدوام للمصالح.
 الظاهرة التي تطغى على المشهد الدولي هي أن روسيا تتضخم وتتمدد وتتحدى وتتدخل في الانتخابات الاميركية والاوروبية، ومع ذلك فالحقيقة الماثلة امامنا هي ان الاتحاد الروسي ليس في وسعه إعادة مجد الاتحاد السوفييتي والتعامل مع الولايات المتحدة، باعتباره قطبا دوليا قادرا على منافستها، وليس بمقدوره كذلك التدافع مع الاقطاب الاخرى مثل الصين والاتحاد الاوروبي . 
 على ان الامر المؤكد هو ان الساحة الدولية ستشهد عالما متعدد القطبية، تحكم حركته القوى الدولية الاربع (الولايات المتحدة، الصين، الاتحاد الاوروبي وروسيا الاتحادية)، وعلى الرغم من ذلك فقد أكدت لنا احداث اوكرانيا وسوريا واخيراً اسقاط السلاح الروسي، الذي بحوزة ايران طائرة "بلاك هاوك" احدى أهم طائرات التجسس الأميركية، ان سياسة حافة الهاوية التي استخدمتها روسيا بنجاح لم ترفعها الى مصاف القوة الدولية الثانية او الثالثة، رغم نجاحات علاقاتها الدولية في المجالات التالية: 
 أولاً: التحالف الروسي الصيني الذي بدأ مع اطلالة الالفية الثالثة بعد اختفاء سياسات المحاور، لكي يصل في رأي الرئيس الصيني شي جين بينج الى أفضل مستوى تاريخي له. إن الصعود الصيني وتطور اقتصاد الرقميات ساهما في وضع ستراتيجية مواجهة روسية- صينية للتحديات الغربية مما عزز العلاقات بين الدولتين الجارتين اللتين تشتركان بحدود يبلغ طولها 4300 كيلومتر .
 ثانياً: إن روسيا الاتحادية ركن اساسي في منظمة شنغهاي للتعاون، المكونة من ثماني دول آسيوية هي: الصين، الهند، باكستان، أوزبكستان، طاجيكستان، قيرغيزستان، وكازاخستان.. وهي عضو في منظمة بريكس التي تربط خمسة اقتصادات رئيسة: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا.
 ثالثاً:  أقامت روسيا بوتين في منتصف عام 2019 على هامش قمة العشرين في أوساكا باليابان تحالفا ثلاثيا مع الصين والهند، وهو تحالف اقتصادي على درجة كبيرة من الاهمية، لأنه يدخل لاول مرة الهند الى جانب روسيا والصين .
 رابعاً: بعلاقتها المتميزة مع فرنسا تحاول روسيا بوتين التذكير بالتحالف العسكري بين الجمهورية الفرنسية الثالثة والإمبراطورية الروسية من 1892م إلى 1917م. ذلك التحالف الذي أنهى العزلة الفرنسية اوروبيا وتحدى القوة الالمانية. إن علاقات الرئيسين: الفرنسي ماكرون والروسي بوتين تغيظ اليوم المانيا وأميركا. 
 خامساً: تعمل دوائر ستراتيجية فرنسية واخرى روسية مؤثرة في تسويق فكرة "زواج المصالح" بين القوة النووية الروسية والقوة الاقتصادية للاتحاد الاوروبي والبروز كقوة دولية ثانية على الاقل، بالاستناد الى حقيقة إن جزءا كبيرا من روسيا اوروبي جغرافياً حيث أن 25 بالمئة من مساحة روسيا اوروبية وهذه المساحة تشكل 42 بالمئة من مساحة الاتحاد الاوروبي. إن توحيد القوتين النووية الروسية والاقتصادية الاوروبية، سيقلب موازين القوى الدولية رأساً على عقب، ولكن أمام ذلك عقبات وتحديات من العسير تجاوزها . 
 وعلى الرغم من كل ما سبق ذكره تبقى لدى الرئيس بوتين آفاق اخرى لانتشال بلاده من حالة تعويم القوة، التي يعاني من مترتباتها الكرملين دولياً. فقد تستجيب روسيا بوتين في نهاية المطاف لنداء بعض الستراتيجيين الذين لا يجدون مخرجا مشرفاً لتعزيز مكانة روسيا الدولية غير زواج المصالح الروسية الاوروبية، التي قد تحقق رغبات الطرفين المتحالفين وربما تعيد المجد السوفياتي!