ياسر المتولي
يفتقر العراق الى دليل الحوكمة الوطني رغم اهميته في تحصين الاموال العامة والخاصة، يأتي ذلك في وقت كان قد جرى الحديث منذ العام (2004) عن أهمية وضع قواعد ومبادئ للحوكمة بوصفها إحدى ابرز سمات نجاح الاقتصاد الحر في السيطرة على ادارة اموال الشركات العامة والخاصة على حد سواء .وللتذكير فقط أشير الى محاولة جرت في العام 2006 لتأسيس هذا البرنامج تماشياً مع الدستور في الانتقال من الاقتصاد الشمولي الى الاقتصاد الحر .وقد شكلت في وزارة الصناعة في حينها لجنة للحوكمة بأمر وزاري ضمت المستشار الاقتصادي للوزارة الخبير الدولي الاستاذ يعقوب شونيا والمغترب حالياً رئيساً، وعضوية ممثلين عن الوزارات والمؤسسات الاقتصادية والمالية التي تمثل الشركات العامة والخاصة والقطاع الخاص، وكنت عضواً فيها ممثلا لشبكة الاعلام العراقي في حينها .وقد بذلت اللجنة جهودا حثيثة واقتربت من الانتهاء من وضع ضوابط ومعايير لحوكمة الشركات ولكن النتيجة؟، أن ألغيت اللجنة حتى من دون قرار وزاري مثلما تم تأسيسها بمجرد احالة المستشار الاقتصادي رئيس اللجنة على التقاعد لبلوغه السن القانونية وتغيير الحكومة، فأركنت كل الجهود للاسف على رفوف الاهمال كغيرها من الحلول.والحوكمة تكرس مفاهيم الافصاح والشفافية والتي هي الاساس في مراقبة ومتابعة حركة رؤوس اموال الشركات للمحافظة عليها وحفظ حقوق صغار المساهمين، ومن ثم تحقيق ادارة رشيدة وعادلة تسهم في تنمية وتنويع الموارد المالية العامة والخاصة .الان اصبحت هناك حاجة ملحة لعمل مؤسساتي بعملية الحوكمة في العراق واقترح تشكيل مجلس أعلى للحوكمة يرتبط برئيس مجلس الوزراء ليقوم بوضع دليل الحوكمة الوطني الموحد والذي يغطي قطاعات الصناعة والتجارة والعمل الحكومي والعمل الخاص ويغطي، كذلك قطاعات المصارف وشركات التأمين ويضمن مبادرة استمرار تنفيذ مبادئ الحوكمة ليساند عملية الاصلاح الاداري والتحول نحو الشفافية والنزاهة في العراق. ولضمان نجاح المجلس الأعلى للحوكمة في تحقيق اهدافه، لا بد من ارتباطه برئيس مجلس الوزراء ليقوم بمهام الخبير الاستشاري ويضم 13 عضواً كحد أعلى وبدرجة مستشار اقتصادي ممثلين عن هيئة الاوراق المالية وسوق العراق للاوراق المالية والبنك المركزي العراقي ومسجل الشركات ورابطة المصارف.
وتكون مسؤولية المجلس الاعلى القيام بصياغة ضوابط وقواعد حوكمة الشركات لتكون دليلاً وطنياً للحوكمة في العراق، كما يقوم المجلس باعداد تقارير ربع سنوية عن مدى تنفيذ برامج الحوكمة الملزمة للوزارات والمؤسسات المعنية في الدولة على وفق دليل الحوكمة الوطني الذي سينبثق عن المجلس، كما يمكن اعتماد برامج الحوكمة وتطبيقها من قبل القطاع الخاص .ويتعين ايضاً ان يصار الى فتح مكتب للحوكمة في كل وزارة يرتبط ادارياً بالوزير ويتلقى التعليمات من قبل المجلس الاعلى للحوكمة لتنفيذها بشكل مباشر بدعم الوزير، وبذلك نشرع ببداية موفقة لمأسسة اعمالنا بالشكل الذي يضمن تحقيق اداء عالي الجودة، وبذلك نحقق هدفا آخر لايقل اهمية الا وهو تحقيق الاصلاح المالي والاداري في سلة واحدة، وما عدا ذلك فلا امل يرتجى بتطوير اعمال الشركات العامة خصوصاً .
مهمة صعبة حقيقة لكنها ليست مستحيلة لمن يتطلع الى اعادة بناء اقتصاده بشكل سليم، فالعودة الى النظام المؤسسي الصحيح يتم عبر هذا المجلس وهو السبيل لتحقيق النمو والتطور الاقتصادي.