‏دور مجلس القضاء الأعلى في إدارة شؤون الهيئات القضائية ‏ ‏المحكمة الاتحادية العليا أنموذجاً

من القضاء 2021/02/07
...

القاضي د. حيدر علي نوري 
 
‏عانت الدساتير، في ظل الدولة العراقية منذ تأسيسها، من انتهاكات أحكامها المتكررة والمستمرة ‏بلا رادع، نتيجة لغياب الرقابة القضائية او عدم ممارسة الجهات، التي تتولى ممارستها لدورها في حال ‏وجودها،  حتى أصبحت تلك الرقابة حبرا على ورق، لاسيما ان دستور عام 1970 المؤقت، خلا ‏من الإشارة اليها، فتغولت السلطة التنفيذية بعض أحكامه وتحيفت السلطة التشريعية المتبقي منها، ‏كنتيجة منطقية لسيطرة الأنظمة الدكتاتورية الحاكمة في تلك الحقبة، الى ان حدث التغيير في النظام ‏الدستوري والسياسي بعد عام 2003، القائم على أساس الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان ‏وأحكام الدستور، ولضمان تطبيق تلك المفاهيم على صعيد الواقع، صدر الامر التشريعي رقم 30 ‏لسنة 2005، المنشور في جريدة الوقائع العراقية بالعدد 3996  في 17 /3/ 2005، الذي تم ‏بموجبه إنشاء المحكمة الاتحادية العليا، كما تأكد وجود المحكمة الاتحادية بأحكام دستور جمهورية ‏العراق لعام 2005، المنشور في جريدة الوقائع العراقية بالعدد 4012  في 28 / 12 / 2005، ‏تتمتع باستقلال مالي وإداري، وتكون قراراتها ملزمة وباتة للسلطات كافة، استنادا لأحكام المادتين (92 ‏‏/ اولا و94) من الدستور آنف الذكر، إذ عدت المحكمة الاتحادية من مكونات السلطة القضائية ‏الاتحادية وورد ذكرها بعد مجلس القضاء الاعلى بالمادة  (89) من الدستور، كما بينت المادة (92 / ‏ثانيا) منه تشكيلتها وأعضاءها، وطريقة اختيارهم وعمل المحكمة، وينظم ذلك بقانون يسن بأغلبية ‏ثلثي اعضاء مجلس النواب. 
‏   ويحتدم النقاش الفقهي بخصوص التكييف القانوني للمحكمة الاتحادية العليا، فيما اذا كانت تمثل ‏هي هيئة قضائية ام هيئة سياسية، وهل انها مستقلة عن مجلس القضاء الأعلى، نتيجة لاستقلالها ‏المالي والإداري، ومن يتولى ترشيح اعضائها في ظل الامر التشريعي الخاص بتأسيسها آنف الذكر ‏وقانون مجلس القضاء الاعلى رقم 45 لسنة 2017؟  ‏
‏    ونرى أن من يصف المحكمة الاتحادية العليا من الفقه بأنها هيئة سياسية، من شأنه أن يحرف ‏المحكمة الاتحادية العليا عن الغاية، التي وجدت من اجلها والهدف الذي سعى المشرع الدستوري الى ‏اقراره بصلب الوثيقة الدستورية من خلال النصوص، التي تطرقت الى وجودها وتكوينها لحماية الدستور ‏من الانتهاك التشريعي تطبيقا لمبدأ سمو الدستور وعلويته على القاعدة القانونية التشريعية لضمان ‏وجود دولة المؤسسات، وبما يحقق انتظام عملها واستقرارها باطراد وديمومة بلا تعطيل او انقطاع، كما ‏ان ذلك الوصف المشار إليه آنفا، من شأنه أن يفرغ المحكمة الاتحادية العليا من محتواها الدستوري ‏والقانوني، بلا مبرر ويقلل من اهميتها وقيمتها القانونية العليا حتى تخضع للتجاذبات السياسية ‏والأهواء والميول، خلافا لأحكام المادة (88) من الدستور، التي نصت على ان (القضاة مستقلون لا ‏سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضاء او في شؤون العدالة‏‏)، كما ان ذلك يتعارض مع ما يتمتع به شخوصها من صفات قضائية، وعلى أساس ما تقدم فإن ‏التوصيف القانوني السليم للمحكمة الاتحادية، هو انها هيئة قضائية بكل ما تحمله الصفة القضائية ‏للهيئة من معنى استنادا للأحكام الصادرة عنها في مرافعة وبناء على دعوى تقام امامها من ذي مصلحة ‏تطبق بخصوصها أحكام قانون المرافعات والقوانين الساندة الاخرى بالقدر، الذي ينسجم مع خصوصيتها ‏المنصوص عليها في الامر التشريعي الخاص بتأسيسها وأحكام الدستور، بمناسبة صدور قانون ‏متعارض او منتهك لأحكام الدستور على سبيل المثال لا الحصر، اضافة الى اختصاصاتها الاخرى ‏المنصوص عليه في المادة (93) من الدستور انف الذكر، ولذا فهي هيئة قضائية ذات طبيعة خاصة‏، إلا ان تلك الخصوصية لا تنفي عنها صفتها باعتبارها هيئة، كما لا تنفي عنها صفتها القضائية، ‏وبذلك فإنها تتماثل مع بقية الهيئات القضائية التابعة لمجلس القضاء الاعلى، ولما كان مجلس ‏القضاء الاعلى يتولى ادارة شؤون الهيئات القضائية استنادا لأحكام المادة  (90) من الدستور، الأمر ‏الذي يقتضي ادارة شؤون المحكمة الاتحادية العليا بعدها هيئة قضائية من قبل مجلس القضاء الاعلى ‏بقدر تعلق الامر بترشيح وتعيين أعضائها، ولا يقدح في ذلك القول انها مستقلة ماليا وإداريا، ذلك ان ‏هيئة الإشراف القضائي ورئاسة الادعاء العام استنادا لقانون كل منهما يتمتعان بذات الاستقلال المالي ‏والإداري، شأنهما شأن المحكمة الاتحادية العليا، وانهما من مكونات السلطة القضائية الاتحادية ‏بموجب المادة (89) من الدستور المذكور، التي يتولى رئاستها رئيس مجلس القضاء الاعلى، كما ‏يمارس مجلس القضاء الاعلى صلاحياته في ادارة شؤونهما اسوة بالهيئات القضائية الاخرى التابعة ‏له. ‏
‏وبغية معالجة الفراغ القانوني الناتج من الغاء نص المادة (3) من الامر التشريعي رقم 30 لسنة ‏‏2005 والمادة (3 / ثالثا ) من قانون مجلس القضاء الاعلى رقم 45 لسنة 2017، ولحين اقرار ‏مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا من قبل مجلس 
النواب، ولمواجهة تعطيل تشكيل وانعذقاد ‏المحكمة الاتحادية العليا نتيجة عدم اكتمال نصابها، بسب ما اصدرته المحكمة المذكورة عن قرارات ‏دون ملاحظة ان ذلك الالغاء للمادتين المشار اليهما انفا، يجب ان يتم في مشروع قانونها عند اقراره لا ‏بموجب قرارات صادرة منها، تسببت بخلق حالة من الفراغ التشريعي وتعطيل عمل مرفق عام متمثل بها‏، وما ترتب على ذلك من نتائج من شأنها تعطيل المصادقة على نتائج الانتخابات المبكرة، اذا ما ‏استمر وضعها على ما هو عليه، لذا ندعو المشرّع العراقي الى تشريع  قانون مستقل عن مشروع ‏قانون المحكمة الاتحادية في الوقت الحاضر، كإجراء احترازي، لا يستلزم لإقراره موافقة اغلبية الثلثين ‏وإنما الاغلبية البسيطة (نصف + واحد)، بالإمكان الغاؤه اذا ما تم تشريع مشروع قانون المحكمة ‏الاتحادية، من شأنه معالجة الفراغ القانوني الناتج عن رغبة المحكمة الاتحادية في تعطيل تشكيلها ‏وانعقادها بإرادتها، لغايات شخصية،  يتم بموجبه منح مجلس القضاء الاعلى صلاحية ترشيح وتعيين ‏قضاة المحكمة الاتحادية العليا وإدارة شؤونها تطبيقا لنص المادة (90) من الدستور المذكور انفا، ‏ويتم فيه تحديد السن القانونية لتقاعد أعضائها أسوة بقضاة محكمة التمييز الاتحادية،  لعدم توافر ‏القابليات الذهنية والجسدية في القاضي بشكل عام اذا ما تجاوز السن القانوني للتقاعد، ما لم يثبت ‏خلاف ذلك استنادا الى تقرير طبي صادر من لجنة طبية مختصة، لاسيما أن تعطيل عمل المرافق ‏العامة ومنها المحكمة الاتحادية العليا والحيلولة، من دون الانتفاع من خدماتها والقيام بواجباتها يعد فعلا ‏مجرما يعاقب عليه قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل.‏