ابتهال بليبل
أستغربُ جدا- وأكيد أن هناك من يستغربُ معي أيضا- من توصيف أغلب النقاد لكتابات المرأة ذات القيمة الأصيلة والعميقة في تمثيل وتمثل الجسد الأنثوي بالجريئة، ومن المؤكد أن وراء هذه (التوصيف) غير الدقيق تكمن تصوّرات قارّة وجادة حول شكل الحياة، التي يفترضُ أن تعيشها الكاتبة اليوم بحسب ما يرى هؤلاء النقاد.
لكن ماذا يعني أن تكون الكاتبة جريئة؟ ومن (هو) الذي يُفترضُ به أن يقول إنها جريئة؟ ولماذا يقول ذلك أصلا؟ وهل الكاتبة بحاجة لتكون جريئة فقط عند تمثيل جسدها الأنثوي عبر انتاجها القولي المؤنث!.
وعندما أفكرُ في الإجابة عن هذه الأسئلة لابد من أن أتذكر القوانين البايولوجية وعلوم الأناسة والمنظومات الاجتماعية والثقافية والسياسية والفلسفية، التي أنتجت الحراك المعرفي الذي بدوره أنتج هؤلاء (النقاد) وأذكّر نفسي أيضا بأنّ التخلص من قيودها وضغوطها القامعة يكون بتجاوز الثنائيات الجنسية التقليدية والعبور إلى فضاء أرحب.. عبور قد لا يطيقه عقل نقدي تعود التسليم بما هو شائع ومألوف.
ويبدو أن هذه التوصيف (جريئة) راجع إلى حالة من القولبة الجاهزة، التي ينظرون من خلالها إلى النص ومنتجه.
فـ (فيتيشية) الجسد مثلا التي يتمّ تتبعها وتأشيرها من خلال قراءة الكتابات النسوية المتأصلة في تمثيل العالم الأنثوي تفترض مسبقا الاعتراف والايمان بالقوالب النمطية الذكورية وغيرها من أنظمة القمع الأبوية القارّة.
وفي مقابل هذا الاعتراف والخضوع لتلك الأنظمة، نجد هناك التمييز على أساس (القدرة) يتشابك مع الطرق الأخرى، التي جاهدت من خلالها المرأة الكاتبة أو الشاعرة لتجاوز هذه التصورات الأبوية للأنوثة الموروثة حول الكتابة عن الجسد أو جزء منه مثل: (القدم، اليد، الشعر، الساقين، الأثداء) أو ممتلكات الجسد الأثيرة مثل: (الأحذية، طلاء الأظافر، الملابس الداخلية) أو أشياء تجاوره مثل: (المطاط، الرغوة، الاقمشة الشفافة) هذه الجزئيات التي هي في صميم عالم المرأة الكتابي هي من تغري هؤلاء بتوصيف الجرأة، إذ تعيد هذه الكلمة إنتاج السمات المميزة للفيتِيشية، ومن ثمّ ستكون هذه الكتابات تحت مسمى نمطي جاهز ومؤشر.
إنّ كلمة (جريئة) تسمح لي أن أفترض أيضا المقولة الآتية: (أن الجسد الأنثوي عندما يكون عنصرا رئيسا في كتابة المرأة) سيكون هو –أي الجسد- مفتاح الهجوم على أفكارها، بل التشكيك بموهبتها ووجودها الكتابي الواضح على الورق.. فكأن الواصف لها بالجرأة يريد منها أن تنقل ما يقوله (هو) عن جسدها (هي).!
الكتابة عن الجسد الأنثوي فضاء شاسع مؤثّث ومؤسّس، ما زلنا نتفادى المعرفة العميقة لأبعاده اللامتناهية، خاصة في الترميز الدلالي الخارج من مناطق تجعل وجود الأنثى ينحصر في هيمنة الذكور، أولئك الذكور الذين يتكهنون دائما بأنماط الكتابة التي يتم اخذها من تمثيلات الجسد الأنثوي داخل النص.
والحقيقة أن هناك مأزقا محرجا يواجه التنظير النقدي حينما يتم وضع الجسد داخل بؤرة الاشتغال. مأزق يجعلنا ندور في حلقة لامتناهية من القيم التقليدية التي ترى في فكرة الأنثى رمزا جنسياً ملهماً واستعراضيا في كثير من الأحيان.
إنّ الكتابة فعل حر يجب أن ينطلق من ذات واعية لجوهر الحرية وتقييم هذا الفعل كذلك، لابدّ من أن يكون حرا، فالمنطقي والحقيقي أن نصف تلك الكتابات بالنسوية لا بالجريئة.