محمد شريف أبو ميسم
لا تتجزأ حسابات الأمن الغذائي عن حسابات الأمن القومي في شكل الدولة، على الرغم مما يقال بشأن عولمة الأمن الغذائي بعد أن سيطرت الشركات المتعددة الجنسيات على هذا الملف الخطير.
وانفردت في حقوق الملكية لعمليات انتاج وتسويق البذور والمبيدات، وفرضت على الدول التابعة لمنظومة أدوات العولمة الاقتصادية حزمة من الاتفاقيات والنصوص القانونية بهدف ضمان تبعيتها في دائرة الانتاج والاستهلاك. حتى تجزَّأ مفهوم الأمن الغذائي بين امكانية تحقيق مقوماته والدعوة الى الاندماج مع عولمة اقتصادية جعلت من الصعوبة بمكان تحقيق مفهوم الأمن الغذائي المطلق في اطار امكانيات الدولة داخل حدود الرقعة الجغرافية.
وعلى الرغم من كل ذلك تسعى الدول الى تحقيق الأمن الغذائي النسبي، حفاظا على سيادتها وتجنبا لمخاطر توظيف ملف الغذاء في النزاعات السياسية ومحاولات لي الأذرع في السياسة الدولية.
وعلى هذا الأساس لم تخضع أسواق الغذاء العالمية الى تذبذبات سعرية واضحة على الرغم من الأزمات السياسية والأمنية التي تتعاقب في مناطق مختلفة من العالم، وعلى الرغم من ما خلفته جائحة كورونا، لأن أغلب الدول «وعلى ما يبدو» تحاول جاهدة تحقيق الأمن الغذائي النسبي في اطار انتاج المحاصيل الستراتيجية ذات الصلة بتوفير الخبز والعناصر الأساسية الغذائية في المائدة اليومية. الا ان تكرار، أو استمرار، الاغلاق الذي شهدته بعض الدول بسبب جائحة كورونا كان مدعاة لاهتمامات المضاربين في سوق الغذاء العالمية، وفرصة لفرض ارادة الشركات التي تدير هذا الملف وفي مقدمتها شركات البذور العشر الكبرى.
إذ شهدت أسعار الغذاء ارتفاعات نسبية خلال الأشهر الثمانية الماضية لتصل الى أعلى مستوياتها منذ 2014 في كانون ثاني الماضي مسجلة 113.3 نقطة في المتوسط، مقابل مستوى عند 108.6 نقطة تم تسجيله في كانون أول الماضي.
بحسب مؤشر منظمة الفاو الذي يقيس أسعار الغذاء والتغيرات الشهرية لسلة من الحبوب والبذور الزيتية ومنتجات الألبان واللحوم والسكر، وتعد هذه المفردات الغذائية بمثابة معايير أساسية في حسابات الأمن الغذائي، وتحرص جميع الدول على ضمان تحقيق الاكتفاء النسبي منها على أقل تقدير، خشية توظيفها في اطار تهديد الأمن القومي والامن المجتمعي في ظل التبعية القائمة على سياسة المحاور في الصراعات الدولية.