دور الحركة في نجاح العرض المسرحي

ثقافة 2021/02/09
...

أ.د. باسم الأعسم
 
باختصار أن الحركة تعني الحياة، والمسرح حياة، تتجسد على خشبته الاحداث، بهيئة أفعال حركية وإشارات وايماءات ذات دلالات ومدلولات متنوعة، تضفي على خطاب العرض المسرحي سمات الديمومة والتحول العلاماتي في أنساق العرض السمعبصرية، لتحقيق أكبر قدر من المتعة الذهنية والنفسية المتولدة من جراء حالات الترقب والمفارقات، المرحّلة من خطاب النص إلى نص العرض، عبر البروفات التي تعد الباعث الرئيس في بعث الحياة والحركة، ومن ثم الجمال، في الملفوظ اللساني (الحوار) فيحدث من جراء تلك المقاربة الإخراجية مايشبه وضع عربات القطار على السكة، أي استنطاق ما ورائيات الحوار وإشباعها بفيض من الحركات المجسدة للمواقف والافكار والاحداث، عبر الشخصيات كوسائط حركية نابضة بالجدل والحراك الدال على الدينامية المتوقدة والمولدة للجمال.
وعندما يشتعل فضاء العرض، بالاصوات المتنوعة، والكتل المتحركة، والتكوينات المتغيرة، والالوان المتباينة، والشخصيات المتحولة والاضاءة المتسارعة، يكون العرض قد اقترب من الجمال، وغادر الرتابة والقبح، لأن المسرح محكوم بقانون الحركة المتحولة، فلا ساكن فيه، بل إن الثابت هو العنصر الديناميكي المتغير، ذلك هو قانون المسرح، على تباين اشكاله ومقارباته، إنه اشبه بالبحيرة الراقصة، عندما يكون الماء متحركا.
 ولذلك، فإن سر نجاح العرض طابعه الحركي الشامل لجميع انساقه (الممثل، الديكور، الأزياء، الاضاءة، الاكسسوار، الزمان، المكان.. الخ) وإذا ما افتقر العرض إلى الدينامية التوليدية الباعثة للطاقة الحركية، فسيكون مصيره الفشل في تمتين عرى الاتصال مع المتلقين، الذين سيغادرونه دونما أسف، بل سيبقى ماثلا في الذاكرة بوصفه عرضا مسرحيا ميتا، لا حياة فيه.
 وطالما طوى الزمن عشرات العروض، التي عولت على النص حسب، وقدمت للمتلقين وكأنها عروض للسمع أو القراءة، خلفياتها كتل ديكورية جاثمة على صدر الخشبة، واضاءة ثابتة لم تتابع حركة الممثلين وانتقالاتهم، والممثلون رواة لاغير، ولم يتفرد عرض مسرحي إلا ما ندر، وكأن غاية المخرج ترجمة الحوار، للافصاح عن مضامينه، وليس حركيته، والمعول على اداء الممثل ومدى استحواذه على ذائقة المتلقين، اي ان العروض التي يصح ان نطلق عليها (العروض التقليدية الساكنة) يتقاسمها نسقان، هما (النص والممثل) وسائر انساق العرض محض خلفية ساكنة لا روح فيها ولا حركة جمالية آسرة، عروض بالاسم فقط. وتندرج ضمن هذا التوصيف اغلبية العروض المسرحية في بواكير الحركة المسرحية التي كانت وليدة التقليد الساكن. لقد رسخ النقد آنذاك تلك المفاهيم المساندة للعروض التي تمجد النص وتؤله مضموناته، فنشأ مانسميه (النقد الصحفي النصي) في ثلاثينيات القرن العشرين وما تلاها، وقد مارسه صحفيون وشعراء وليسوا متخصصين في النقد أو قادمين من رحم الحركة المسرحية.
بينما المسرح لاينفصل عن حركة الحياة والمذاهب والمناهج، ولذلك، عندما برزت السيميائية والحداثة انقلبت صورة العروض المسرحية على عقب فتسربت اليها الاطروحات الحداثية والتقنيات البصرية والميدولوجيا، فزادت من حركية العروض المسرحية، وخاصة على الصعيد التقني، فهيمنت الصورة والحركة على الحوار الراكد.
وكما قال المخرج (جوردون كريج) “إننا نأتي الى المسرح لنسمع بأعيننا ولكي نرى ما لم نر”. وبالفعل اصبحت العروض المسرحية مزدانة بالموسيقى والسينوغرافيا، والكيروغراف الراقص، وخرجت من محيطها الساكن إلى مسرح الحياة المتحرك.