السماوة.. الأفلام قاموس المتعة

فلكلور 2021/02/10
...

  زيد الشهيد
دخلت السينما الى العراق في ابتداءات القرن العشرين كملمح ترفيهي، ثقافي توخى جالبوه نفعاً اقتصادياً يتوازى وحقيقة متعة يخلقها للناس وسعة نافذة يطل منها العراقي للتعرف على تفاصيل دنيا غائبة أو مغيَّبة عنه.
 
وفي السماوة التي كانت تعيش جهلاً مُطبِقاً وتخلّفاً رماه في وجهها حكمٌ عثماني دامَ قروناً وفتح عينها استعمار بريطاني كان يمثل آنذاك وجهاً حضارياً كرَّسَ صناعات حديثة متقنة وتجارة عابرة للقارات وجاء حضوره ليفتح آفاقاً واسعة للتواصل مع العالم نفّذ عبد الستار الإمامي، الرجل المتنوّر، مشروع بناء سينما اعتماداً على ما رآه في بغداد من رغبة الناس في الرفاهيَّة، وشعور بتحقيق كسب اقتصادي؛ فاختار مكاناً على مساحة 1800 متر مربع سينما شتويَّة وأخرى صيفيَّة تجاورها. افتتحها في العام 1948 بواجهة واحدة ومدخل واحد حملت اسم "سينما عبد الاله" ثم بُدِّلَت إلى "سينما الشعب" بمجيء الجمهوريَّة بعد عشرة أعوام.
جاء بناء السينما الشتويَّة وفق الهندسة والمواصفات المعمول بها لسينما عصريَّة. فضمت أربعمئة كرسي أرضي، وخلفهما تقاطعات "لوج"، في كل تقاطع وضعت أربعة كراسي للذين يفضلون الجلوس منعزلين عن المشاهدين الآخرين. وهناك طابقٌ ثانٍ للأسر يضم مئة كرسي.. واحتلت السينما الصيفيَّة مساحة مستطيلة مكشوفة نحو 
السماء. أرضها ترابيَّة يتوزع عليها عشرون صفاً من التخوت الخشبية المعرضة للشمس والغبار والأمطار في الشتاء ما جعلها غب الأعوام المتتالية بلا انتظام وجعل أرضها تعج بقشور المكسرات من البزر الأحمر والأبيض والفستق الأخضر وأغلفة السجائر الفارغة: غازي ولوكس وتركي والمختار، وسجائر الروثمن والكريفن والكَمِل والدنهل المُهربة... وفي الخلف كان اللوج المخصص للأسر. لم يشاهد الذي يدخل السينما ويلتفت إلّا أسر الموظفين الغرباء وأسر الإماميين القريبة اجتماعياً من شريحة الموظفين. ولم يحدث أنْ دخلت أسرة من أسر السماوة تشغل كرسياً أو لوجاً بفعل تحفظٍ كان شائعاً وتزمتٍ مفروض، وخشية من نقد سلبي يأخذ باعاً على ألسنة من لا يروق لهم هذا المنبت الحضاري النيّر.
الدخول إلى السينما يعني الدخول إلى جنة الأحلام أو دعوة إلى قاموس حياة يزودك بما تتمنى وما تحتاج من مفردات التعرف على الدنيا بكل تفاصيلها، الظاهرة 
والدفينة.
حضور السينما إلى السماوة جسَّد الانتقال من ضفة رتابة تكدِّس جهلاً كاتماً وعتمة تكاد لا تنتهي إلى ضفة نور وهّاج يضيء درباً يمنح بهجة بلا حدود، ويهب متعة بلا قيود.. نور يهبك صولجان السير في طريق الشعور بأنَّ الأحلام لا تقتصر على المسافة القريبة من رموشك بل الدنيا البعيدة عن تصورك.
جاءت الأفلام، عربية وأجنبيَّة، فاتحة عالماً جميلاً تهافتت عليه جموع الغارقين في أنفاق الحرمان، التوّاقين للوصول الى مشاهدةً آفاق الحياة في العوالم الأخرى. طبيعة متفاوتة وحياة اجتماعية متنوعة.. ممثلون وممثلات يؤدّون أدواراً مُتقنة فينالون إعجاب المشاهدين، قصص وحكايات مُجسَّدة حركياً تعيش مع شخوصها بهنائهم وسرورهم، بعذاباتهم وحرمانهم، أحلام تحلّق كالفراشات فوق الأسرّة أو دموع تتقاطر كالندى على الوسائد. تتأسّى على نفس تتعذب مثلما تغضب على متجبّر يُعذِّب، كوميديا مُسرّة تصنع الضحك داخل النفوس ودراما أليمة تُنتح حزناً يُلظي الأرواح، تدان وابتعاد؛ لقاء وهجر، تواد وعتاب، اعتذار وزعل، توق 
وجفاء.