الناقد الديني والنقد الثقافي

ثقافة 2021/02/14
...

د. حسين القاصد
 
ليس لأحد من النقاد العراقيين أن يتصدى (للمكان) في الأدب بشكل عام، وفي السرد على وجه الخصوص، من دون ذكر اسم الناقد العراقي ياسين النصير؛ وقل مثل هذا حين تريد تناول المثقف العضوي، إذ ليس لأحد أن ينسبها لنفسه، ويغض حواسه عن غرامشي.
أسوق هذه المقدمة لأذكر القارئ الكريم بأن لدي أربعة كتب في النقد الثقافي، كان أولها “الناقد الديني قامعا” عن دار الينابيع - دمشق 2010، وآخرها الجريمة الثقافية في العراق وأنساقها المضمرة؛ وقد وثق الدكتور سمير الخليل في مقدمة أول كتاب له في النقد الثقافي بأن أول من أصدر كتابا حديثا في النقد الثقافي بالعراق هو حسين القاصد. وكي لا أبتعد عن رأس أمري وما أنا بصدده، أقول إن كاتب هذه السطور أول من تناول قضية التعسف التي عانى منها الشاعر العربي بعد ظهور النقد العربي؛ ذلك النقد الذي جاء بجلباب ديني ليشترط على الشاعر معايير أخلاقية، ليقع في حيرة من أمره بعد ذلك، حين حاول الدفاع عن ضعف شعر حسان بن ثابت الذي أنفق ستين عاما في الجاهلية من دون أن يضع له بصمة واضحة أو يكتب معلقة على أقل تقدير، وهو الذي كان ينتظر موافقة النابغة كي يدخل على النعمان بن المنذر (ينظر: كتابنا الجريمة الثقافية في العراق...) وحين فشل الناقد الديني في إيجاد ما يسوغ ضعف حسان، قال: ضعف شعره ولان حين دخل الإسلام! وكأن حسان بن ثابت التزم المعايير الإسلامية ولم يتغنَ بالخمر في قوله:
ونشربها فتتركنا ملوكاً
وأسْداً لا يُنهنُها اللقاء
وهي القصيدة التي قالها في مدح الرسول الأكرم، فأين أثر الإسلام وتسببه في ضعف شعره؟
وحين فتشنا عن ديوان ابن الشبل البغدادي وجدنا قمع الشيخ الناقد الفقيه واضحا، لأن فقهاء السلاجقة أمروا بضياع شعره وعدم حفظه، لأن الشاعر ابن الشبل البغدادي ساند ثورة بني مزيد ضد السلاجقة.
وفي كتابي النقد الثقافي ريادة وتنظير وتطبيق - العراق رائدا، وقفت كثيرا عند التعسف وليّ عنق المعنى كي يخدم السلطة التي غالبا ما تكون دينية - أو تدعي ذلك - فكانت النقائض بأمر سلطوي وكان الرأي النقدي قريبا من هوى السلطة.
ما دفعني لكتابة هذا المقال هو قيام الزميل العزيز الدكتور أحمد مهدي الزبيدي بكتابة مقالين ونشرهما في هذه الصفحة من جريدة “الصباح” الغراء، هما: النقد الديني، والناقد الديني، من دون الإشارة لصاحب السبق في هذه التسمية وأعني (الناقد الديني)، وكنت أتمنى على العزيز الزبيدي، الذي ربما خانته الذاكرة، أن يشير لمن سبقه من باب الأمانة العلمية والأكاديمية وهو الأكاديمي المميز؛ قد ألتمس له عذرا، وأقول في ختام مقالي: المعاني مطروحة في الطريق، وقد يقول ذلك، القارئ الكريم أيضا، لكن ليس لنا، لا أنا ولا القارئ الكريم، أن لا ننسب “المعاني مطروحة في الطريق” إلى قائلها الجاحظ.