د.أحمد الزبيدي
حاورت مجلة الأديب العراقي الشاعر الكبير كاظم الحجاج، وسألته عن (الجيل الشعري) الذي ينتمي إليه، فقال: (سنة ميلاد بعض أجدادنا، ومسقط رؤوسهم الجغرافي هو الذي أعطى بعض المحظوظين منهم لقب (صحابي جليل!).. رغم ان بعضهم اخذته السياسة والمصالح الى مواقع اخرى .. لذا فأنا متوجس من مصادفات سنة الميلاد، ومتوجس من جماعة الأجيال، وكأننا دفعة جنود في سحبة تجنيد!)، وحاورتُ كثيرا من الشعراء فوجدتهم يقفون الموقف نفسه! يسخرون من ظاهرة الأجيال (الانتماء) وكأن الأمر مفروض عليهم! ولو أقنعنا أنفسنا بأنه مفروض فمَنْ الذي فرضه؟:
الثقافة، السياسة، الدين، المجتمع، السلطة؟..
وما دامت ثقافتنا العربية - والحمد لله - مازالت تنهل من مرجعياتها القديمة: البدوية والقبلية والدينية.. إذن من الطبيعي أن نبحث عن ظاهرة الانتماء بمرجعياتها وتشكلاتها الثقافية والاجتماعية في الثقافة العربية القديمة، وسنجد كيف كان الناقد - مثلا - يتولى مهمة تسلسل نسب الشاعر وتحديد قبيلته!، وكان من التقليد الأخلاقي حين يقبل الشاعر على الخليفة أن (يعرف) نفسه ونسبه لينتهي بقبيلته، وحين تصدى الناقد الكبير الآمدي إلى الموازنة بين شاعر مطبوع وآخر مصنوع وفق المقاييس البلاغية والنقدية جعل من نسبهما(انتمائهما) ثيمة رئيسة في عنوان الكتاب (الموازنة بين الطائيين) فالنسب والانتماء الاجتماعي (الهوية القبلية) هي المنطقة التعريفية للشاعرين وهي هوية مشتركة رغم أن الكتاب يبحث عن الاختلاف الجمالي.
وأجد أن التحول المدني لم يلغِ ظاهرة الانتماء القبلي ولا نذهب بعيدًا فكاتب السطور يتوج اسمه بقبيلته وأمامكم سرب من الأسماء القبلية تتصدر شعراء يدعون (الحداثة!) ويكتبون (قصيدة النثر!) فالانتماء ثقافة لا غنى للهوية الذاتية عنها؛ ومن هنا أفترض أن جزءًا من فاعلية ظاهرة الأجيال الشعرية هي فاعلية الانتماء وضرورة النسب لأن الهوية الفردية لا تشعر بالطمأنينة إلا حين تنتمي إلى هوية جماعية تطابقها: فهذا شاعر ستيني وصديقه سبعيني وصديقهما أصغر منهما نسبا لأنه ثمانيني، وجاءهم من أقصى المدينة شاعر تسعيني!.. وبسبب ضعف الخطاب المدني وضعف القانون كان من الطبيعي أن تلجأ الهوية إلى الانتماء بأساليب مختلفة كذلك أفُسّر ظاهرة الاجيال انتماء فرضيا مفروضا يلغي ظاهرة الانتماءات الفرعية التي تفتّقت بعد انهيار المركزية السلطوية فظهر الأسلوب النقابي ليقدم نفسه ملاذًا جديدًا لمن لم تسعفه سنة ميلاده في الانتماء إلى قبيلة (مركزية).