الوقتُ القاتل

ثقافة 2021/02/19
...

 رحيم رزاق الجبوري
 
شُلّتْ ذراعايَ، بعدما خنقني بوسادة وضعها على وجهي بقوّةٍ، وَلَمْ يبقَ لي أيّ قدرةٍ على مجابهته.
فقد أحكمَ قبضته على صدري، وراحَ بمعولٍ كبيرٍ يهشّمُ رأسي، وَلَمْ يكتفِ بذلك؛ فقد قامَ بزرع سكاكينه في جسدي الهزيل ليمزّقه بشكلٍ فظيع، واضعًا أشلائي في كيسٍ بلاستيكيٍّ.. حدثَ هذا كلّه في وقتٍ وجيزٍ جدًّا، بعدَ بدءِ مباراة بكرة القدم لفريقي المُفضّل.
بهستيريا غريبةٍ، أَفقَتُ مذعورًا ومصدومًا من نومي، بعدما صَرختُ من هولِ ما شاهدتّ، فقد كانَ العَرقُ يتصبّبُ من جميع أجزاء جسمي، والخوفُ يحتلّني من كلّ جانبٍ، كانَ كابوسًا مُزعجًا ومُخيفا! اِلْتَفَتُّ صوبَ التّلفاز، وإذا به مُعلّق المباراة يعلنُ انطلاقتها، وصدى صوتٍ لوقعِ أقدامٍ تصعدُ السُّلَّمَ، يزيدُ إيقاعها شيئًا فشيئا!. 
 
سكّانٌ آخرون 
في كلِّ يومٍ عند خروجي من غرفتي التي أعملُ فيها؛ تعوّدتُ إطفاء الإنارة فيها.. وفي صباح اليوم التالي؛ أتفاجأُ بتشغيلها، مع فوضى تعمُّ المكان!؟ تعمّدتُ ذاتَ يومٍ أنْ أقضيَ يومي في الغرفة العجيبة، ظللتُ مراقبًا بتخوّفٍ وحذرٍ شديدين ما سيحدث.
حينَ حلَّ الظلام، تراءى لي انبثاق ظلٍّ من الكرسيّ الذي أجلسُ عليه.. لمْ تتّضحْ معالمه لي، حاولتُ جاهدًا ولكنْ لمْ أُفلحْ في ذلك؟ كادتْ دقّات قلبي تفضحني من شدّة خفقانه.. تسمّرَ في مكانه للحظاتٍ، وراحَ يتنهّدُ مُتنقّلًا في أرجاء المكان، بعدها وقفَ أمامَ المرآة، ينظرُ لتفاصيل وجهه، ماسكًا بآلةٍ حادّةٍ يداعبُ بها المرآة.. همَّ بتحضير الشاي، جلبَ قدحين كبيرين، وصبَّه فيهما، وأخذَ واحدًا وراحَ يرتشفُ منه بنهمٍ.. تاركًا الآخر على الطاولة؟ الغريبُ في الأمر؛ إنّهُ عملَ كلّ ذلك؛ وَلَمْ يشغّل الإنارة؟
 وبحركةٍ سحريّةٍ سريعةٍ، اخترقَ الغرفة، مُتمتمًا بكلماتٍ، ملأَ صداها غرفتي: "اشربْ الشاي.. وارحلْ سريعًا؛ قبلَ أنْ أعودَ بعدَ دقائق!؟". 
 
مَشهدٌ ختاميّ 
من النافذة المُطلّة على شارعه؛ يترقّبُ حركة الناس.. لمْ يَعُدْ يسمعُ صوتًا، لأنينِ الناس ومشاكلهم، كما انعدمَ صوت صراخ الأطفال وعراكهم المستمرّ! الأزقّةُ والمحلاتُ، باتتْ مرتعًا للأشباح، وجميع الأشياء والصور تلاشتْ معالمها.. الأحداثُ المُتسارعة، كانتْ أكثر سخونةٍ من حرارة الجوّ، وأشدّها هولًا وذعرا. بدأتِ اللحظة الأكثر خوفًا ورعبًا، بعدما حلَّ غروب الشمس، معلنًا بدء ظلام عصيب.
أصواتُ عويلٍ وصراخٍ ونحيبٍ.. ضجّتْ مسامعه، وصداها يخترقُ زوايا وجدران بيته، لمْ يتعوّدْ على هذه الأجواء الغريبة.. هرولَ مسرعًا خارج المنزل.. وراحَ يتابعُ بألمٍ، حين حملوه برفقٍ.. وبلفّافةٍ بيضاء، ونبتةٍ بعطرٍ فوّاحٍ رافقتاهُ، لمثواه الأخير!