عبدالزهرة زكي
* حيثُ لا يُتَوقّع الثلجُ
كان سقوطُ الثلجِ ذلك الشتاء
مفاجِئاً، لكنه
كم كان مدهشاً.
هذه المدينة، القائظة دوماً،
لم تألف مرّةً صباحَها أبيضَ
كما كان عليه في ذلك اليوم
من آخر أيام الشتاء الماضي.
كان الثلج يتساقط..
وكانت الستائرُ سعيدةً تُزاح عن النوافذ.
وكان الشجرُ منتشياً يبيضُّ،
وتبيضُّ الشوارعُ والعرباتُ والأبنية
والطرقات والأرواح..
وقريباً من نافذةِ غرفةٍ ما زالت نائمة
كان يحطّ طائرٌ غريبٌ
مندهشاً فَزِعاً مما يحصل.
وكانت عيناه حائرتين أمام مرأى البياضِ المباغت،
وهما تبحثان
ما بين النافذة المغلقة
والثلج المتساقط
والسماء البعيدة
عما يمكن أن يؤوي طائراً نازحاً من ثلوج الشمال
ومحتمياً منها ببلاد الشمس.
* خارج المظلة الكبيرة
كانوا جميعاً تحت المظلة
كانوا يحتمون بها
وكان في الخارج من المظلّةِ المطرُ غزيراً.
كانت المظلةُ كبيرةً
وكانت تضيقُ بهم
كلما جاء فوجٌ آخر ليلوذَ بها
من المطرِ وقد ظلَّ ينهمر غزيراً..
الشوارع
والشجر
والأبنية
والحجر
والأرصفة الخالية
سعيدة تغتسل بما يتساقط عليها من المطر
ويغتسل به طائرٌ يظلّ يحلّق وحيداً
عيناه ساعيتان نحو أفق لا يراه سواه
وجناحاه، منتشيين متوثبين،
تغالبان مطراً غزيراً ينهمرُ عليهما
ويحتمي الجميعُ منه بالمظلة الكبيرة.
* شجرة كانون
في العمقِ من هذا الضباب
يمرّ أحياناً ضوءُ عرباتٍ تنأى.
إنه ضوءٌ شحيحٌ بالكاد يكفي ليُرى هو
لا ليُري ما سواه.
تبتعد العربات،
ويشحب الضوء حتى يتلاشى.
فتكتفي من بعده شجرةٌ على الطريق
بتأملِ عُريِها وحيدةً.
أحياناً
يخطِر للشجرةِ، في وحدتِها، صفيرُ طائرٍ عابرٍ.
تسمعُه
فلا ترى الطائرَ ولا تسمع صفيرَه
وقد تواريا في الضباب.
وبين حينٍ وآخرَ
تتوهّم الشجرةُ الوحيدة وقعَ خطىً تسمعها،
وهي تقترب ثقالاً وتمضي بعيدةً
حتى تضيعَ الخطى ويهمدُ وقعُها
في عمقِ الضباب.
كان هذا ضباباً عميقاً.
وكانت الشجرةُ خلاله
يكفيها التأملُ في عريِها،
وحيدةً
صامتةً،
في العمق من هذا الضباب.