الناقد المنتظر

ثقافة 2021/02/24
...

صلاح حسن السيلاوي 
هل يمتلك المشهد الثقافي العراقي حراكاً نقدياً منصفاً؟ الإجابة عن هذا التساؤل تنطوي على أهمية فهم كثير من التفاصيل، بشأن ماهية هذا الإنصاف وممكناته، ومن تلك الممكنات: مدى قدرة النقد على الدخول في عوالم النصوص وفهمها، والتدقيق في مرجعياتها الثقافية، وشرح مستويات علاقاتها الدلالية. ومنها النظر للنصوص من دون انحياز مناطقي أو قومي أو ديني أو مذهبي، فضلا عن ضرورة اعتماد الناقد على قاعدة بيانات يضعها لخريطة الأسماء المشتغلة في الأدب، وعدم الكتابة عن المؤلفات التي تصله بالصدفة فقط.
أجزم أن غالبية نقادنا لا تسعى بجد للبحث عن المنتج الأدبي الجديد، بل تعتمد تلك الغالبية على ما يصلها من إهداءات، وهذا يعني أن قاعدة البيانات الشخصية لديها لن تكون قاعدة منصفة لأنها لا تعتمد منهج البحث.
للتأكيد على كسل أغلب النقاد، وعدم جديتهم يمكن أن نقرأ ما يكتبون عن الإصدارات الحديثة لنستشف من خلالها أن كثيراً منهم يكتب عن صديقه أو زميله أو ابن مدينته. 
المنجز النقدي الذي يعتمد ما يصل للناقد، وليس على ما يبحث عنه، يؤكد أننا أزاء ما يمكن تسميته بـ (النقد الاجتماعي)، فالكاتب القريب من المؤسسات الثقافية أو الذي يمكن أن يوصل مُؤَلَفَه للناقد سيكون ضمن مشغله النقدي. أما ذلك البعيد عن الأنساق الاجتماعية في المشهد، فلن يكتب عنه أغلب النقاد كما لن تلتفت له الصحف ولا وسائل الإعلام. 
ما الذي رصده الناقد العراقي عن أهم الظواهر الثقافية في النصوص الجديدة، ما أثر التوجهات السياسية في النص، ما مستوى خطاب الحداثة او المعاصرة في الكتابات الحديثة؟ ماذا قال النقد عن خصائص السرد العراقي بأجناسه والشعر بأشكاله؟ وبِمَ تتميز الكتابة بعد عام  2003 مثلا؟، وماذا عن الأنساق المعرفية السائدة أو المضمرة في النصوص الإبداعية؟، هل يغرق النص في الأنساق الأسطورية  أو الدينية أو المادية وما إلى ذلك؟، ماذا يقدم الكاتب العراقي من جديد؟، وما رأي النقد بتنافس الأجناس الأدبية والأشكال؟، أما زال هم الريادة موجودا في ذات المشهد الثقافي العراقي؟، وماذا عن نقد النقد؟، أتوجد حركة نقدية معنية بنقد نفسها وتقويم اعوجاج قامتها؟.
الأسئلة التي ترفرف في سماء النقد العراقي لا بد لها أن تتوقف على شرفات المؤسسات التابعة للدولة، التي عليها بالضرورة أن تكون داعمة لوجود نقد يأخذ على عاتقه إثارة أهم الاستفهامات المعرفية، ومتابعة تطور النصوص، ومن تلك المؤسسات وزارة الثقافة ووزارتا التعليم العالي والتربية، فالنقد الذي يصدر على شكل رسائل ماجستير وأطاريح دكتوراه ويشتغل في النصوص الإبداعية والدينية والتراثية لا يصل إلى سوق الكتاب إلا نادراً ولا تسعى وزارتا التعليم العالي والتربية إلى طبعه وإيصاله الى جمهور الأدب والثقافة في البلاد. كما لا تهتم الدولة عبر رئاساتها بمفاهيم الثقافة والإبداع بالمستوى الذي يتناسب وحاجة المجتمع ولهذا كله نحن أمام تراجع نقدي خطير.