وادي عبقر العراقي

ثقافة 2021/02/24
...

د.أحمد الزبيدي
 
أطلق السياب على عام 1926 عام العبقرية، لأن السياب وبلند الحيدري وجواد سليم ولدوا فيه.. وحين أخبره بلند أن عبد الوهاب البياتي ولد في هذا العام أيضا، أنكر ذلك وقال: لابد أن تكون ولادته إما عام 1925 أو 1927.. كان لا يحب البياتي فأنكر شراكته بسنة الولادة العبقرية.. وكان يعمد البياتي إلى استصغار جهد نازل الملائكة الشعري، وأعدها البعض معلمة في النقد أكثر مما هي شاعرة، وختمت حياتها بمرض الاكتئاب الذي أرق جابر عصفور في البحث عن أسبابه.. 
ومات الرواد الأربعة ومات تناحرهم وتخاصمهم، ولكن هل تناحرت قصائدهم؟، هل بقيت متخاصمة استجابة لتحاسد أصحابها؟.
 ولك أن تتخيل أن قناع السياب (المسيح بعد الصلب) بقي وحيدًا من دون أقنعة البياتي (عذاب الحلاج) و(محنة أبي العلاء) و (ديك الجن) ومن دون أقنعة شريكه في عام العبقرية بلند الحيدري (توبة يهوذا) ومن دون تتمة الستينيين كسامي مهدي (خبر لديك الجن) وكاظم الحجاج (المقتل الثاني لكليب) وغيرها الكثير من الأقنعة الشعرية.
 لك أن تتخيل: هل ستصبح قصيدة السياب رائدة شاخصة يتسارع النقد الحديث إلى ذكرها؟! أكانت نازك وحدها من تحدثت عن المقبرة (يحكى أن حفارين) أم لحقها السياب بـ (حفار القبور)؟ وهل هي وحدها من تتبعت إيقاع القطار (مر القطار) أم تتبعه بألم أكبر محمود درويش (مر القطار)؟.. ولدينا أمثلة كثيرة لا حصر لها عن تناحر الشعراء وتباغضهم وتحاسدهم.. ولكن نتاجاتهم الشعرية في غفلة وترفع عن كل هذه الإرهاصات التي ربما تكون بدوافع إيديولوجية أو اجتماعية أو ثقافية.. ولربما حاول النقد أن يؤجج التباغض بين القصائد ويعد هذه سبقت تلك وهذه أكثر شعرية من تلك.. وفي النهاية فإنه لا يكتمل بنيان المنجز الشعري الإبداعي ولا تتجلى صورته إلا حين نعترف أن صورة المشهد الشعري في مرحلة ما لا يسهم فيها شاعر واحد ولا قصيدة واحدة.. وإذا اتفقنا أن قصيدة (الكوليرا) لا قيمة فنية عالية لها قياسا بقصائد لحقتها وزامنتها أو من أحفادها ولكن تبقى (الكوليرا) أيقونة زمنية تؤرشف لحظة ولادة الشعر الحر، وحتى الولادة لا تكتمل بواحدة فكان رفيقها في الدرب (هل كان حبا) للسياب.. ولو تصورنا أنهما اكتفيا بهذه الولادة البدائية لكانا كآدم وحواء ولكان قد طردهما إله النقد من (جنة الشعر الحديث)!