لا مــرئــي

ثقافة 2021/02/24
...

ذوالفقار يوسف
تعلمت كيف أكون كائنا يحب الجلوس لوقت طويل، لا يزعجني الامر مطلقا اذا ما ناولني أحد سكائري حتى ولو كانت تبعد عني نصف متر، او كوب ماء لا يجعلني أقوم بجهد كبير اذا أردت التقاطه لشرب ما فيه.
 أكره الحفلات كما أكره تلك التجمعات التي تضم اكثر من ثلاث اشخاص، لست متوحدا ولكنني أعرف حدودي بالاستمتاع مع غيري من البشر، وها أنا أجلس كما اعتدت منذ خمسة ساعات متواصلة، تلتصق عيني بالأجهزة الالكترونية ويجذب انتباهي ما يلمس قدمي فقط.
وقتي كالأرنب ورغم هذا لم ينل اهتمامي تقدمي بالعمر كلما مرت الساعات والليالي وانا على هذا النمط، لا يهم فإنني ما زلت في الثلاثين من عمري، أحيانا أتطلع لأصابعي بسبب الملل وتدهشني التفاصيل وأحزن لخشونتهن، يذكرني بأعمال البناء الشاقة التي كنت أقوم بها سابقا، وما ان يبتعد اهتمامي عنهن، أحلم، أعاصير من الامنيات تهجم مرة واحدة، بتسلسل كأنهن القدر المحتوم وقد خطط لنهايتي، في العادة أحلم بامتلاكي أموالا كثيرة.
ثروة استطيع ان أسعد بها نفسي ومن أحب، أحيانا يجرني الخيال الى أغرب من ذلك، لأكون صاحب تلك القوة  التي تجعلني اختفي متى أردت، أن أكون لامرئيا لأي أحد، أن أسرق المصارف، ان استرق النظر الى الفتيات عندما يدخلن الحمام، او لاستغل هذه الميزة في فعل الخير ودحر الشر، انها القوة المطلقة التي لا توازيها كل القوى الاخرى، انها الميزة التي لا تشابهها أخرى، لا يحددها اي شيء، لا تتكرر او تنسخ او تسرق، وبالرغم من ان هذا الحلم اليقظ اصبح صديقا لي في الليالي كل مرة، الا انه قد تحقق في احد الايام، ان من الغريب ان تتحقق احلام اليقظة في عالم النوم والرؤيا، كأنها مواساة لك على عدم تحققها على أرض الواقع، او اظنها هدية لاستمراري واصراري على أمنية الحصول على هذه القوة، او انها تكملة لما يريده القلب ولكن بصورة ملموسة.
كل شيء وارد الحصول.
فما ان تتعمق في الشعور يخلق كل ما تريده بطريقة ما، بدأ الحلم وامتلكت هذه القوة، ها انا مستعد لكل ما اردت ان أقوم به، لقد كنت جالسا كالمعتاد في مكاني، ومع كل هذا بقيت هناك بلا حركة.
إنه الحلم الذي يتحتم عليك ان لا تستطيع التحكم بما تفعل وما تريد، كان الامر مخيفا جدا، لقد كنت شفافا بلا حركة ولا إرادة، وما إن استطعت التحرك، 
صحوت!.