هل تشكل ديموغرافيَّة العراق مساره السياسي

منصة 2021/02/27
...

 إعداد: الصباح
مضى 24 عاماً على آخر تعداد سكاني في العراق (لم يشتمل إقليم كردستان)، و34 عاماً على آخر تعداد شمل العراق بأكمله. 
ومنذ ذلك الحين، ما زالت التقديرات هي الحاكمة في ما يخص الصورة الديموغراقيَّة العراقيَّة.
ورغم إقرار أهمية التعداد، إلّا أن الجهات الحكومية فشلت في تنفيذه منذ العام 2005 ولغاية اليوم لأسبابٍ شتى، أهمّها الوضع الأمني والسياسي. ويمكن القول ابتداءً إنَّ المصادر المختلفة للتقديرات تعطي أرقاماً مقاربة الى الدقّة بنسبة مقبولة ومشجعة لتشكيل آراء علميَّة في ما يخص التركيبة الديموغرافيَّة للسكان في العراق.
وبينما ينمو سكان العالم بمعدّل (1.05 %)سنويًا، نجد أنَّ النمو العراقي يقارب (2.6 %)، وهو من بين أعلى المعدّلات في المنطقة.
أما نسبة السكان دون 15 سنة، فقد ارتفعت في السنوات الأخيرة لتصل الى 40 % تقريبًا، هذا يعني عمليًا ازدياد نسبة السكان دون سن العمل. بينما تتطلب السوق العراقيَّة خلق ما يقرب من 500 ألف وظيفة جديدة سنوياً. 
من جانبٍ آخر ارتفع متوسط الأعمار (توقعات الحياة) بالنسبة للعراقيين لتتجاوز عتبة 70 عاماً لأول مرّة منذ عشرات السنين، والفضل في ذلك يعود الى ارتفاع المستوى المعاشي وبالتالي زيادة نسبة الأموال المصروفة على العلاج الشخصي والصحة العامة. لكنَّ نسبة كبار السن (أكثر من 65 عاماً) ما زالت تشكل نسبة قليلة فهي تنحسر لصالح ازدياد نسبة الشباب. وهي في الحقيقة تعودُ الى شريحة عمريَّة عانت سابقاً من سوء الرعاية الصحيَّة خلال العقود الماضية.
ويعاني التوزيع الجغرافي هو الآخر من ضغط السكن في المدن، حيث تظهر في العراق مدن ضخمة (بغداد/ 8 ملايين نسمة)، و(البصرة/ 3 ملايين نسمة). وفي العموم، نجد أنَّ سكان المناطق الحضريَّة في العراق هي نسبة عالية تقترب من 70 % من مجموع السكان، هذا يعني أنَّ الضغط على الخدمات والطلب على الوظائف، قد تأطر وتحدد بما يمكن أنْ تقدمه المدينة من فرص وخدمات. وهو أيضاً ما يشجع على السكن العشوائي خارج التخطيط الحضري والعمراني، ويشجع كذلك ظاهرة التجاوز على القوانين المحددة والمنظمة للسكن في المدن عادة.
من هنا تأتي أولويَّة هذه الأرقام لترسم فعلياً مسار الحلول السياسيَّة التي قد تطرحها السلطات لحل المشكلات الراهنة الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة.
وخلال خمس سنوات، سيصل الطلب على فرص العمل مستويات قلقة، في ظل قائمة مدفوعات حكومية (PAYROLL) لم تعد تستوعب الزيادات بالجملة (كما حدث خلال العقد الماضي). هذا يعني أنَّ الاستقرار مرهونٌ حرفياً في توفير فرص عمل من النوع المبسط ومن الدرجات الواطئة والتي لا تتطلب تدريباً أو مهارات معمقة. هذا على المستوى القريب. رغم أنَّ الأرقام تشير الى أنَّ 17 % من السكّان هم على برامج التعويض المباشرة (الوظائف الحكومية + المرتبات التقاعدية + شبكات الإعانة الاجتماعيَّة).
وهذا الميزان القلق يكشفه معيار ما يعرف بـ(نسبة الإعالة)، وهي نسبة السكان الذين يعتاشون على عمل الآخرين وتمويلهم، حيث تقترب في العراق من 75 %، بينما نجد معدّلها العالمي بحدود 54 %. بين السكان. رغم أنها كانت لتعد نسبة مقبولة قبل عشرين أو ثلاثين عاماً.
ويمكن الخلوص الى القول، إنَّ الاعتبارات الإحصائية ترسم بما لا يقبل الشك مسار العمل الحكومي في المستقبل القريب، والذي يجب أنْ يلازمَ هذه الأهداف المتعلقة بالديموغرافيَّة العراقيَّة وسبل إصلاح النسب ذات المؤشرات الخطرة فيها.