توفيق التميمي

ثقافة 2021/02/28
...

حميد المختار 
طال أمد الغياب والطريق الذي سلكناه معاً، انقطع بنا وسار كلٌّ في اتجاه ونحا إلى مآرب أخرى بعد أن تغيرت الأفكار وتقاطعت المسارات بين خل وصديق وأخ..لم أنسَ تاريخنا المشترك ومعاناتنا الطويلة ومشاويرنا المجنونة ونحن حفنة مجانين مطوقين بالوعي المبكر والتمرد والرفض، الرفض سواء في الفرقة المسرحية التابعة لنادي القدس في مدينة الثورة أو الرفض المصطلح والمفهوم الذي علّمناه كيف نرفض ونحن في أصعب ظروف حياتنا.
منذ نعومة أظفارنا كنا معاً في تجوالاتنا الحياتية والفكرية مارسنا معاً بيع الكتب الممنوعة في شارع المتنبي، وكنا نخبئ الكتب في ملابسنا وتحت معاطفنا ونغامر في الولوج إلى أكثر الشوارع خطورة ورهبة، المتنبي الذي كان مزروعا برجال الأمن والرعب والمراقبة والحساب الشديد، وكنت تستنسخ الكتب وكنت ألتهمها وأحولها إلى قارئ آخر، مازالت غرفتك في شارع المتنبي شاهدة على ذلك، أنت مجنون ومجازف كبير يا توفيق بحيث لم يرعبك صدام بأجهزته القمعية ولا حروبه وصولاته وجولاته في العقول والأفئدة، وحتى بعد سقوط النظام وهروب أزلامه كما تهرب الجرذان والخفافيش بقيت أنت معنا تؤسس التجمعات والصحف والكتب والملاحم عن حيواتنا السابقة ونخطط لحيواتنا المقبلة، كنت معي دائما ونحن نجتمع في غرفة ضيقة ونقيم المآتم الحسينية وكم كنت تجيد عرافة الحفل بصوتك الرنان واسلوبك المليء بالثورة والغضب والتحدي، كنا في خطر مدقع وصرنا في أخطار مدقعة قبل وبعد، فحياتنا هي مجموعة من المطاردات والهروبات والمعارك الكبرى التي لم تجد سبلاً للراحة والاسترخاء.
كانت الحياة ومازالت تقودنا من مأزق إلى آخر ومن محطة محترقة إلى قطار ملتهب، إلى ثورة عارمة وانقلابات في السياسة والفكر والمعتقدات والاتجاهات، حين أتذكر سجني في أبي غريب لم ولن أنسى محاولاتك واستقتالك كي تجمع لأسرتي ما يسد رمقها ثم تبعثه لأخي (نصيف) ومنه إلى الأسرة المحرومة. هكذا كنت يا توفيق الانسان والمثقف والثوري والاعلامي والمؤرشف والكاتب الذي يحاول اصطياد المعلومة تلو الأخرى لتوثيق مراحل تحولات الوطن وأرشفة حيوات رجالاته في الفكر والثقافة والوعي والدين والحضارة والتاريخ وكان معك أخونا المخرج الفنان (طالب محمود السيد) يرافقك في كل ارتحالاتك داخل وخارج العراق. أعاهدك يا أخي يا (أبا طيبة) بأنني لن أنام أو يهدأ لي بال إلّا حين أحصل على معلومة عنك تطمئنني وتطمئن أسرتك، فحين ذهبت (للسيد الكاظمي) وكان رئيساً للمخابرات لم يكن يعلم أين أنت ثم ذهبت له أسرتك حين أصبح رئيساً للوزراء طمأنهم ووعدهم خيراً، وها نحن مازلنا ننتظر ذلك الخير الذي يأتي به خبر منك وعنك ليقول "إن توفيق حي يرزق" في وطن محتضر وبلاد تسير على حافة الهاوية يرعاها الفساد ويحيطها اللصوص ويراقبها الحاقدون ويغزوها المتطرفون من كل حدب وصوب.. انها تنتظر صوتك ووعيك ووجودك الذي كان يملأ الأماكن والجهات.ستعود لنا يا توفيق لنكمل مشاوير الحياة والوطن والناس.