التخطيط المالي وتخفيف الفقر

اقتصادية 2021/03/01
...

د. احمد الحسيني 
 
يبدو أن التخطيط المالي في العراق لم يأخذ على عاتقه بشكل جدي معالجة القضايا المجتمعية الرئيسة مثل محاولة تخفيض نسب الفقر، فبالرغم من الاعلان الرسمي عن ستراتيجيتين للتخفيف من الفقر (2010 - 2014) و (2018 - 2022)، وزارة التخطيط تعلن مؤخرا احتمالية ارتفاع معدلات الفقر في العراق الى 32 بالمئة وارجعت السبب الى الاثار التي تركتها جائحة كوفيد- 19.
وربما آثار الجائحة واضحة للعيان وماخلفته من حالة ركود عام في السوق العراقية وتعطيل لحركة النشاط الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة، خصوصا في صفوف الفئات الهشة التي تعتمد على عملها اليومي لكسب قوت العيش، ولكن يبدو أن وزارة التخطيط أغفلت أسبابا اخرى ربما تكون اكثر ايقاعا وتأثيرا من اثار الجائحة واهمها، قرارات اللجنة العليا للسلامة والصحة الوطنية، بفرض حظر للتجوال استمر فترة ليست بالقصيرة، ما أثر في مستويات الدخول لتلك الفئات والتي تمثل معظم الشعب العراقي وهذا ما قاد في مرحلة لاحقة الى زيادة معدلات الركود الاقتصادي في الاسواق، لأن تلك الفئات تعد الاكثر استهلاكا وهي التي تقود حركة الطلب الكلي في
 الاقتصاد.
 وكان من المفترض أن توصي اللجنة المذكورة سلفا بضرورة تغطية نفقات المعيشة لتلك الفئات، اذا كانت تبغي تحقيق اقصى فائدة من قرار حظر التجوال الصحي ولكن لم نلحظ هذا الشيء، اضف الى ذلك القرارات الاخيرة للحكومة العراقية والمتعلقة بخفض قيمة الدينار وفرض ضرائب تصاعدية استهدفت فئات معينة دون غيرها، ومقترح خفض التخصيصات لاكثر من 3 ملايين موظف ضمن المؤسسات الحكومية، كل هذه العوامل من المتوقع أن تؤثر سلبا في حركة النشاط الاقتصادي، ومن ثمّ التأثير سلبا في الفئات الهشة والاكثر فقرا في العراق، خصوصا اذا ما علمنا ان معظم الفئات المصنفة ضمن خط الفقر الوطني او تحته تعمل في اعمال بسيطة متعلقة بالأسواق المحلية، والنقل والمواصلات، ومحلات التجزئة. وبالنتيجة ان خفض وتيرة الانفاق الشخصي بسبب القرارات الصادرة ستؤثر بشكل غير مباشر في توليد موجات ركود في الاسواق المحلية، ما سيؤثر لاحقا في دخول الفئات الهشة الفقيرة، ووفقا لهذا التحليل كان من المفروض على المخطط المالي، خصوصا عندما قام برسم الخطة المالية للعام الحالي 2021 والتي ترجمتها الموازنة العامة ان يأخذ بنظر الاعتبار تلك التأثيرات وانعكاس الخطة المالية في تلك الفئات من المجتمع العراقي.
 ومن المتوقع ايضا اذا قام مجلس النواب بتمرير مقترح مشروع موازنة 2021 بشكلها الحالي سترتفع معدلات الفقر الى ما يربو عن 38 بالمئة في الربع الاول من عام 2021 وما يعضد توقعنا هذا هو ظهور سلالة جديدة من فيروس كورونا تحت مسمى  كوفيد- 20 والتي سجلت الكثير من الدول حالات مؤكدة للاصابة بهذا النوع من الفيروس، ناهيك عن المؤثر السياسي سواء على المستوى المحلي او الاقليمي او الدولي، والذي يشكل محركا ومؤثرا رئيسيا في حركة النشاط الاقتصادي في العراق .