فضاءات فارغة

ثقافة 2021/03/02
...

ياسين النصير
 
عندما قررت السفر الى العراق بالرغم من التشديدات الصارمة في هولندا على ان يكون السفر للضرورة، فقد اعتمدت جائحة كورونا على نمط من الثقافة كانت قائمة في النظم الغربية، وهو التنظيم لكل مرحلة يجري عليها طارئ ما، ولما اعلن عن اجراءات هذا التنظيم وجد الإنسان الأوروبي نفسه مستجيبا -عدا استثناءات- وهي قليلة لهذا التنظيم. في محاولة المغادرة بعد ان حبست نفسي طوال عام في شقتي مع استثناءات الخروج الموضعي للتسوق لما يديم العيش، وجدت نفسي لم اخرق النظام وإنما أؤكده من خلال الالتزام بالفسحات الصغيرة التي تمرر من خلالها رغباتك، وهي فسحات تخضع هي الاخرى لمراقبة تنظيمية، تتطلب الحضور لأخذ عينات للفحص وتدفع تكاليف ذلك، ثم تأتي قبل 24 ساعة من السفر لتسلم النتيجة، وعبر هذه التجربة البسيطة المنتظمة، وبالرغم من تساقط الثلوج خلال تلك الأيام، وجدت أن النظام يفرض نفسه حتى لو كنت متمردا.
في مطار امستردام، وحيث الحركة قليلة جدا قياسا لما عرفته خلال سفراتي، الشيء الملفت للنظر فيه، وانا ممن يعتنون برؤية ما يحدث بصريا، ان الفراغ الهائل لمطار امستردام هو الأكثر حضورا، كل المحال التجارية والاسواق وحتى الكافتريات الصغيرة قد اغلقت، ولم يعد لك مجال لشرب الماء مثلا غير مكائن آلية عليك ان تتقن كيف تستعملها، فراغ شعرت به لاول مرة يملأ المطار فيحول من اللامكان إلى مكان، في حين أن المطارات والاسواق الكبيرة والطرق السريعة وتشابك الطرق الداخلية للمدن تعد من اللا أمكنة، إذ تضيع فيها هوية الشخص وتستبدله بهوية اللامكان الذي يتساوى الجميع فيه.
ثلاث ساعات وأنا أبحث عن اثر تلك الحركة الشاغلة والممتلئة بالناس في احتفائها القسري عن امكنة وجدت خصيصا لها، فاذا بها تختبئ في طيات النظام الذي فرضته كورونا على الجميع، الاحياء والجمادات، الحركة والسكون، المماشي والطرقات الفرعية.
في اسطنبول يتغير القليل من النظام، تشعر ان الشرق لايزال يسلك بمغايرة غير محببة لمخالفة الانظمة، ففي مطار اسطنبول مسحة من ثقافة شرقية، وهي الزحام على الاسواق مستغلين حالة المسافرين، مع ارتفاع في الأسعار، فالطريق الى بغداد ليس من السهولة ان تكون سالكة من دون احتمالات التوقف او التعطيل، ومع ذلك كل شيء بقي تحت نظام المراقبة.
ما ان تصل الى مطار بغداد حتى تفاجأ بأن حقيبتك قد حجزت، وعندما تسأل لماذا؟ لا أحد يجيبك، فتشعر أنك متهم وتبقى تنتظر الى نهاية خروج كل الحقائب لتجد نفسك أمام أسئلة عن الأدوية التي جلبتها معك؟ ما سر هذه الادوية؟ واين الورقة التي تبيح لك جلبها؟، وبعد تفتيش بسيط وبابتسامة المسؤول يقال لك تفضل لاشيء في حقيبتك ممنوع.
كان السؤال الذي نما في داخلي عن سبب جلب ادويتنا الخاصة ما دمنا مسافرين لبلد كل شيء فيه غامض، هو لماذا تفتش أدوية العلاج، وكميتها الصغيرة موضوعة في كيس صغير، مع أنها مرت على آلية تفتيش مطارين، والسؤال هو:  لماذا لا يسأل المسؤول عن صحتك قبل أن يسألك عن أدويتك القليلة؟