يعد فاضل ثامر من ركائز ودعائم الساحة الثقافية، خصوصاً في النقد الأدبي، إنه الصوت الغني بتجاربه.. الصوت الذي أسس لقواعد نقدية مهمة في الشخصية الروائية والسردية والإبداعية. كان لصحيفة (الصباح) هذا الحوار مع الناقد الذي أصدر العديد من كتب النقد الجادة والغنية بجهده، وكتب منذ أواخر الخمسينيات في الكثير من الصحف والمجلات عن النقد الشعري والمسرحي.
* هل كتبت اعمالاً روائية أو شعرية سواء منشورة أو غير منشورة، ولماذا أخترت النقد ميداناً أساسياً لتجربتك الادبية؟
- في بداياتي الكتابية جربت كتابة الشعر والقصة القصيرة والرواية، لكني وجدت في داخلي، ميلاً جارفاً إلى الكتابة النقدية، وكنت أشعر بأن صرامتي النقدية والمنهجية كانت تمارس تأثيراً قامعاً على نزعتي الابداعية والسردية.
كان عقلي الكتابي يتشكل نقدياً وأحسست بميل جارف الى النقد، تماماً مثل الاحساس بالحب الأول الذي يقصي كل تجربة حب جديدة وهكذا اتجهت الى النقد، ورحت أطور أدواتي المنهجية والرؤيوية وأطيل التأمل في المتغيرات الذوقية والفنية وفي حساسية القارئ الجديد، ومع اني كتبت نقداً للقصة القصيرة والرواية والشعر الحر وقصيدة النثر والمسرح والفن التشكيلي والسينما، الا أن عشقي تعمق نحو النقد الروائي، ونقد الشعر، وكتبت في مجلة الشباب والحياة الجامعية في أواخر الخمسينات عدداً من المقالات النقدية في الصحف والمجلات التي لم أجمعها للأسف ولم أحتفظ بأصولها، وقد أصدرت خلال هذه الفترة اكثر من عشرة كتب نقدية، سأعرّف الان بكتبي النقدية الخاصة بالرواية والشعر ما دام محور الحوار يدور أساساً عن تجربتي النقدية.
* ماذا عن بداياتك النقدية الأولى؟
- منذ بداية تجربتي النقدية في الستينات، عنيت بالنقد الروائي والشعري، ونشرت عدداً من الدراسات النقدية المبكرة منها في كتابي النقدي الأول «معالم جديدة في أدبنا المعاصر» الصادر عام 1975، ومن الدراسات التي ضمنها الكتاب دراسة عن رواية «النخلة والجيران» للروائي غائب طعمة فرمان من خلال قراءة مقارنة مع رواية «زقاق المدق» لنجيب محفوظ، كما انطوى كتابي هذا على دراسة عن رواية فاضل العزاوي الاولى «مخلوقات فاضل العزاوي الجميلة» ودراسة عن رواية «رجل الأسوار الستة» للروائي عبد الإله عبد الرزاق فضلاً عن دراسات عن السرد القصصي ودراسة خاصة عن رواية «الشحاذ» لنجيب محفوظ ورواية «زوربا» للروائي اليوناني كازانتزاكي، كما ضم كتابي النقدي الاول هذا دراسات تأسيسية عن قصيدة القناع وحسب الشيخ جعفر وصلاح عبد الصبور وغيرهم.
كما ضم كتابي النقدي الثاني «مدارات نقدية: في إشكالية النقد والحداثة والابداع» الصادر عام 1987 دراسات عن فؤاد التكرلي ونجيب محفوظ وصلاح عبد الصبور د.علي جواد الطاهر، ودراسة مهمة عن القناع الدرامي والشعر وأخرى عن النقد الادبي في مواجهة شعرنا الحديث وأخرى عن القاصين حميد المختار وشوقي كريم وغير ذلك.
* ماهي كتبك النقدية التي تعتز بها أكثر من غيرها؟
- كل كاتب يعتز عادةً بجميع مؤلفاته ولا يميز بينها، تماماً مثل الابناء. ولكن اذا وجدت صورة للتخصيص فيمكن القول إن كتبي النقدية التي صدرت بعد التسعينات من القرن الماضي تحتل مكانة خاصة في نضج تجربتي النقدية، وفي مقدمتها كتابي النقدي «الصوت الآخر: الجوهر الحواري للخطاب الادبي» الصادر عام 1992، إذ يجد فيه القارئ تركيزاً على استجلاء ظاهرة تشكل الرواية البوليفونية في العراق من خلال أطروحات الناقد الشكلاني الروسي ميخائيل باختين في كتابه عن شعرية السرد عند دستوفيسكي، حللت فيه بعض النصوص الروائية لمحمود أحمد السيد وذو النون أيوب، ورواية «اللعبة» يوسف الصائغ ورواية «خمسة أصوات» لغائب طعمة فرمان، ورواية «الرجع البعيد» للروائي فؤاد التكرلي، كما تناولت جوانب من تجارب القاص نزار عباس والقاصة لطفية الدليمي، ودرست في هذا الكتاب تجربة الروائية الفلسطينية سحر خليفة في روايتيها «الصبار» 1979 و»عباد الشمس 1982».
وانطوى كتابي هذا على دراسات في نقد الشعر، منها دراسات عن شعر رشدي العامل ويوسف الصائغ وعدنان الصائغ وأحمد عبد الحسين ووسام هاشم وكاظم الفياض، فضلاً عن دراسة مهمة عن القصيدة والنقد: سلطة النص أم سلطة القراءة وأخرى عن استنطاق المستويات الدلالية للنص الشعري. واحتوى كتابي النقدي «المقموع والمسكوت عنه في السرد العربي» الصادر عام 2004 دراسات عن السرد العربي تركز على تأشير النصوص المقموعة بفعل تابوات أو سياسات قمعية ضاغطة يضطر فيها الروائي الى ترك فجوات سردية تحاشياً من الاصطدام بالرقابة البوليسية للنظام القمعي، درست فيها جوانب من تجربة الروائي غائب طعمة فرمان في عدد من رواياته حول جدل الشخصية الروائية وسلطة الواقع، والتعالق بين أزمة البطل وأزمة الواقع.
كما تناولت قراءة للرواية الأولى للروائي العراقي محمود سعيد «زنقة بن بركة» فضلاً عن قراءتي لعدد من التجارب الروائية العربية للروائي الليبي ابراهيم الكوني والروائي الاردني مؤنس الرزاز وروايات للروائيين الياس فركوح وابراهيم نصر الله وغيرهما. ويمكن أن أشير هنا الى أن هذا الكتاب يؤشر مرحلة جديدة في التأليف لدي تتمثل في تركيز كتبي النقدية بعد هذا التاريخ على تناول جنس ادبي واحد كالسرد أو الشعر.
* ماهي أهم كتبك النقدية التي أشرت مثل هذا التخصص؟
- أعتز بشكل خاص بكتابين نقديين مهمين هما «المبنى الميتاسردي في الرواية» الصادر عام 2013 و «التاريخي والسردي في الرواية العربية» الصادر عام 2018. ففي «المبنى الميتاسردي في الرواية» قدمت دراسة مفصلة عن المفهوم والمصطلح وتجلياته في الرواية العربية عموماً والرواية العراقية بشكل أخص، وأفدت بشكل خاص من المفاهيم النقدية لمصطلح الميتاسرد (Metafiction) كما طرحته الناقدة ليندا هتشيون (Linda Hutcheon) في كتابها النقدي “سياسة ما بعد الحداثية” (The politics of postmodern) وكتابها “السرد النرجسي” (Narcissisti Narrative)، فضلاً عن أعمال نقاد آخرين أمثال روبرت شولز ( Robert scholos ) وانغر كرستن ( Inger christensen ) وشلوميت كينان ( Schlomit Remmon-kenan ) وبول ريكور وغيرهم.
وتناولت في كتابي هذا عدداً من الروايات العراقية الحداثية التي كشفت عن بنيات ميتاسردية منها روايات للروائيين علي بدر وسعدي المالح وسليم مطر وشاكر الانباري وحنون مجيد وأحمد خلف وزهير الجزائري ومحمد خضير ومهدي عيسى الصقر وعبد الخالق الركابي وانعام كجه جي وأحمد السعداوي.