وداعاً الصوت الرخيم

فلكلور 2021/03/04
...

 ناجح المعموري
 
بعد أنْ تعرفت على الصديق القاص والروائي جاسم عاصي في منتصف السبعينيات من القرن الماضي في بابل ضمن فعالية ثقافية حرص على حضورها باستمرار. واستمعت منه لحديث استمر طويلاً، دائماً ما يمنحني فرصة المعاودة لالتقاط مرويات منه لها علاقة مباشرة بالأستاذ حسين الجبوري الذي درس على يديه وتعلم منه الكثير، واكتشف الجبوري لدى الشاب موهبة الكتابة واستمع منه لكلمات محفوظة حتى اللحظة بذاكرة الصديق جاسم عاصي. ولكثرة ما استمعت إليه من منقولات مختزنة منذ زمن بعيد، أحببت لقاء الأستاذ والباحث حسين الجبوري، حقق لي صديقي هذه الأمنية في زيارة الى مدينىة كربلاء.
تحدث كثيراً عن اهتماماته البحثيَّة عن الموروثات لأنه آنذاك لم يكن قريباً من الوسط والنشر ولفت انتباهي بما كان يشتغل عليه، بحوث جديدة غير مألوفة، ولكنها مثيرة للانتباه كثيراً، كذلك للجرأة التي تنطوي عليها، والصعوبات التي تستولدها العودة لمصادر التاريخ والذاكرة السرديَّة والتقاط تجوهرات هو يريدها. وهذا ما اتضح في تحققاته المهمة جداً وكنت أتصل به بعد كل إهداء يصلني منه، وأستمع له وإيقاع صوته يرنّ في مسمعي وأنا أشعر بالخجل مكتفياً بكلمات الإعجاب الحقيقي والسعادة بما تحقق له على الرغم من تقدمه بالعمر، وأيضاً عنايته بالجمال وصوغ المكان الذي هو فيه، بحديث جعله حديقة، حتى غرفته بالطابق الثاني يصعد لها بالمصعد الكهربائي، لأنه لا يقوى على مزاولة مشروعه إلاّ في المكان الذي اعتاد عليه.
وفي لقاء لي معه صحبة صديقي، قدمت له نسخة من كتابي «تأويل النص التوراتي/ اسطورة نبات اللفّاح»، و»عقائد الانبعاث الكنعاني» الصادر عن مؤسسة المدى 2008، ابتهج معبراً عن سعادته وأردف قائلاً: تستاهل ونجحت بالوصول الى اسطورة متشظية في الذاكرة. وأضاف قائلاً: تعال معي الى البيت وسأقدم لك ما يساعدك على إكمال الجزء الثاني من هذا المشروع. استقبلت بحفاوة وصوته يردد ما يشبه الابتهال السعادي وضيّفنا وما زلت حتى الآن أشعر بالامتنان له، لأنني لم أشعر بأي ضيق في بيته، الكاشف عن ذوقٍ رفيعٍ وجماليات غذّتها الثقافة والفن. ذهب قليلاً وعاد سريعاً وقدم لي محفوظات ملتقطة عبر سنوات القراءة والبحث عن «نبات اللفّاح»، فحصت الجذاذات وفرحت بها وما زالت محفوظات حسين الجبوري لديّ. أيقظتها وكأني أستعيده من السواد وأعدت قراءة كل ما كتبه وأحسست بأنَّ إيقاع صوته الرخيم يودّع.