حسين علي الجبوري.. سيرة وتراث

فلكلور 2021/03/04
...

 حاوره: سلام القريني 

 
قد يكون هذا الاسم غير معروفٍ في الأوساط الثقافيَّة على امتداد مساحة الوطن ولكنه واحدٌ من المثقفين الذي نفتخر به ويحظى باحترام وتقدير جمهرة كبيرة من أدباءٍ ودارسين تتلمذوا على يده. رجل متواضع بعلمه وأدبه وله فضلٌ ليس بالقليل على الكثير من المبدعين في الساحة الشعريَّة أو القصصيَّة، ولي الشرف في قراءة وعرض جميع أعماله التي احتضنتها الثقافة الجديدة وطريق الشعب وصباح كربلاء والشرارة النجفية، وهو أحد المشاركين في إحياء مناسبات فكريَّة في نادي الكتاب والتجمع الثقافي من أجل الديمقراطيَّة.
نعم.. إنه لا يحب الأضواء ولا الشهرة، لكنه كنز معرفي خصوصاً في مجال التراث وله عددٌ من المخطوطات المهمَّة في حقل المسكوت عنه وصاحب مشروع تفكيكي رصين تمثل بسلسلة من البحوث منها (قرة العين، الاستبداد، سلطة الأنوثة، الميثيولوجيا قبل الإسلام). 
بعدها بدأت مسيرته في التأليف، فقد أصدر كتباً مثيرة للجدل منها (الخناقون ورسيس القتل الطقسي) والكتاب يعدُّ استعراضاً تاريخياً للقتل تبعه كتاب (أصوات التفجع في كبرى المناحات) وحين سئل ما الذي يقصده: قال إنَّ بلادي تعيش منذ الأزل في مناحة متصلة.
وهو في لجة التنقيب قدم لنا مفاجأة أخرى كتابه (أحزان قبائل الوحش على مصرع الحسين) الذي يأخذنا الى رحلة تاريخيَّة محزنة.
الجدير بالذكر أنَّ الفقيد واحدٌ من الذين يمتلكون مكتبة عامرة، تضم أنفس النسخ للكتب المقدسة للديانات ليضع بين أيدينا مؤلفاً حمل عنوان (البكاء على تموز عند ضريح الولي أبو حصيرة)، الغريب أنَّ هذا الولي لا يعرف أكثر اليهود عنه شيئاً، وقد كان ظهوره المفاجئ على الساحة المصريَّة متزامناً مع فاجعة هجوم الجيش الإسرائيلي على غزة بتاريخ 27/ ك 2/ 2008. يذكر أنَّ أيهود باراك قد زار الضريح سراً .
الباحث الجليل حسين علي الجبوري مولعٌ بالتنقيب ليضع بين أيدينا كتابه الموسوم (القُّبلة في شرائع الحب والدين والسياسة) التي أثارت جدلاً في المجتمع الكربلائي وهو أحد الموضوعات التي لم يتطرق لها الباحثون، ما أعطته مبرراً لفك أسرار القبل التي بحاجة الى تفسير.
وتستمر الرحلة في إنجاز (قاموس التراث الشعبي)، مجلد ضخم ضم مئات المفردات الشعبيَّة، والأكلات أفرد لها كتاباً خاصاً.
ورغم سنواته التي جاوزت الثمانين اتحفنا بمنجزٍ إبداعي سماه (استحياء الكتاب المنسي) واختتم رحلته المليئة بالعطاء بكتاب (تاريخ الشتائم والهجاء الشعبي) الذي لم ير النور.
طوبى لك صديقي المبدع لك الذكر الطيب دوماً.
حاورته ذات مساء في العام 2013 م.
قال إنني في اللقاءات الصحفيَّة لا أحسن الحديث، أتمنى أنْ تُّعد لي الأسئلة والإجابات أرسلها إليك غداً.
لم أوافق.. قلت له لا يجول بخاطري الآن.. ولا سؤال واحد! 
ولكن حين نبدأ الحديث بموضوع تختص به وتعشقه، سنجد الأسئلة تتوالى تباعاً وبكل سلاسة. وافق الرجل. 
سؤالي أستاذي العزيز هو:
* إنك كنت واحداً من كتاب مجلة التراث الشعبي التي تصدر منذ قرابة النصف قرن وتعدُّ مجلة ذات صوت مختلف.. ولها حضور واسع بين أوساط المثقفين، كيف تفسر نجاحها وانتشارها؟
- بداية إنَّ عددها الأول صدر عام 1963 م ويشرف عليها كوكبة من العلماء والباحثين في مقدمتهم العلامة الدكتور مصطفى جواد والعلامة جلال الحنفي والأستاذ إبراهيم الداقوقي وعلى الخاقاني ونوري الراوي وجورج حبيب ثم تسلم الراية جيلٌ من الشباب في سبعينيات القرن الماضي أمثال الشاعر سعدي يوسف ولطفي الخوري وباسم عبد الحميد حمودي، علاوة على كتاب آخرين كبار يمتلكون ناصية الكتابة عن الثقافة الشعبيَّة ولهم مكانة متميزة.
* ماهي الموضوعات التي كانت تستهويك وقتذاك؟
- أكثر الموضوعات التي تستهويني كل ما يخص مصطلح الفولوكلور كعلمٍ خاصٍ بالنشاطات الثقافيَّة والمهارات التي تهم الإنسان الفطري، كالصناعات والمعتقدات والممارسات التي قد لا تكون متصلة بالدين ولكنها متصلة بالدين البدائي.
* ألم يكن مصطلح الفولوكلور ذا إشكالية بحد ذاتها؟
- الثقافة الأوليَّة للإنسان الفطري هو الذي أصبح موضع خلاف بين علماء الانثروبولوجيا ولم يستقر على تعريف محدد للفولوكلور ولذلك فهو علمٌ فضفاضٌ ولكنَّ البحث فيه جميلٌ؛ لأنه يمتُّ إلى عالمنا الواقعي الحالي بوصفه بقايا ثقافة الأجداد وتقاليدهم وهو الذي دفعني إلى ممارسة الكتابة فيه ولكن بالشكل الذي ينفتح على جميع الشعوب الأخرى، ما يطلق عليه بالفولوكلور المقارن.
* عملية البحث كيف تتم؟
- الأسلوب الذي أتبعه في الدراسة يعتمدُ على الجزئيَّة المختفية في النص ولا يعيرها الأكاديمي أهمية وتلك الجزئيات أجدها كثيراً في النصوص التاريخيَّة.
* وما سر هذه الجزئيات؟
- إنها قضيَّة معقدة قد تكون ضمن عالمنا وضمن حياتنا اليوميَّة وقد اختفت من عقلنا اللا واعي، إذ تظهر في الكثير من الأحيان عندما تستدعي الحاجة.
* هل فيها نوعٌ من التلاقح؟
- واردة وضروريَّة للباحث نجدها في مدارسنا القديمة وقد نجدها في كتابات ديكنز وهو ينقل لنا أزقة وأطفال الشوارع والمشردين والشحاذين، من هنا أنطلق في عمليَّة المقارنة بين المجتمعات فأجدها جميعها واحدة في التفكير والممارسة وهذه هي المتعة.
* قرأت لك «الخناقون» وقد صدر عام 2006 في وقت دموي مرَّ به العراق بعد التغيير، ما سر هذا التوقيت؟
- أحسنت. كما تقول كان وقتاً حرجاً حين أخذ الإرهابيون باسم الدين يقتلون الناس قتلاً شرعياً ذهب كثير من الأطفال والشيوخ الأبرياء ضحايا. فقمت بمحاولة تأرخة القتل المقدس في الديانات وقد وجدت أنَّ هذه الديانات كلها تمارس مثل هذا القتل البشع بإضفاء الشرعيَّة الدينيَّة عليه.
* كان هناك فيه ذكر للإلهة كالي الخناقة. هل وجدت لها مريدين في العراق بعد عام 2003؟
- كالي إلهة الخنق أخذ جماعتها يمارسون خنق الناس كطقسٍ من طقوس التعبد إليها وكانت الضحية تؤخذ ممتلكاتها من الثياب أو ما في الثياب وتعطى كضريبة دينيَّة إلى معبدها وقد نشأت في الهند ثم انتقلت إلى البصرة وقد ظهرت عمليات خنق بعد الاحتلال ولكن الغالب عليها الذبح بالسكين ولا فرق بين الوسيلتين لأنها تشريعٌ باسم الدين.