يخوض خليجيون نقاشات متنوعة حول الإصلاحات السياسيَّة والعنصريَّة وحتى حقوق المتحولين جنسياً وغيرها من الموضوعات الحساسة عبر تطبيق "كلوب هاوس" الصوتي، ما أثار مخاوف من المراقبة لدى المستخدمين.
يكتسب التطبيق الذي حظرته الصين زخماً في دول الخليج حيث انطلقت محادثات جريئة حول موضوعات حساسة في دول يكبح بعضها حرية التعبير.
محادثات مباشرة
ويسمح هذا التطبيق الصوتي الأميركي الذي لا يمكن الانضمام إليه إلا بدعوة، للأعضاء بالاستماع والمشاركة في محادثات مباشرة تجري في "غرف" رقمية.
وفي هذه "الغرف"، يتناول الحوار الأكثر جرأة السعودية، حيث قامت حسابات موالية للحكومة معروفة باسم "الذباب الإلكتروني" في الماضي بالتضييق على حرية النقاش على منصات أخرى.
ويحظى التطبيق بشعبية كبيرة لدرجة قيام بعض المستخدمين في المملكة بطرح دعوات للانضمام إليه عبر تويتر، ما يعكس رغبة دفينة للحوار والنقاش على الرغم من الخوف من المراقبة.
وتقول الناشطة السعودية- الأميركية أماني الأحمدي المقيمة في الولايات المتحدة: إنَّ "كلوب هاوس يزدهر لأنَّ عددًا كبيرًا من المثقفين السعوديين يهتمون بمناقشة العديد من الموضوعات التي تعدُّ محرمة وتخضع للرقابة في المجال العام".
لكن بعد أنْ استضافت الأحمدي مؤخراً محادثة حول "العنصرية في السعودية"، انتشرت على تويتر صور ومقاطع فيديو تظهر هويات وآراء المشاركين في المحادثة، فضلاً عن نظريات مؤامرة تتعلق بدوافعهم.
أثار هذا الأمر مخاوف من إمكانية مراقبة مستخدمي هذا التطبيق، وقد شكل نشر الصور ومقاطع الفيديو خرقاً لقوانينه التي تحظر تسجيل المحادثات.
وأغلقت "غرفة رقمية" أنشئت على تطبيق كلوب هاوس للحديث عن إطلاق سراح الناشطة لجين الهذلول بعدما هدد بعض المتحدثين بفضح المشاركين علنا، بحسب مصدرين مطلعين على الجلسة.
وتشير الأحمدي "أرى بعضا من المتصيدين السعوديين عبر الانترنت يقومون بنقل محادثات كلوب هاوس إلى تويتر عبر تسجيلها".
وأضافت "ما زالت هذه منصة جديدة وهناك العديد من المخاوف المتعلقة بأمن" المتحدثين.
"التفكير الحر"
وقال مستخدم سعودي للتطبيق إنَّ البعض بدأ بفرض ما يبدو بأنه رقابة ذاتيَّة على المنصة، إذ يباشر العديد من المشاركين الحديث بقوله: "أنا متواجد في داخل" السعودية أو "في موقع حساس".
وعلى الرغم من المخاطر، يشارك العديد من السعوديين في محادثات متنوعة حول العديد من القضايا التي تجسد التغيير الذي يتطلع إليه الكثير من الشباب في المملكة.
ففي إحدى "الغرف الرقمية"، تحدثت امرأة سعودية عن عدم وجود حريات مدنية في المملكة.
وقالت السيدة بحسب ما نقله مشاركون: إن "التفكير ليس مجانياً، التفكير ثمنه غال، ثمنه العمر وثمنه سنوات في السجون".
وأضافت "نحن لسنا حظيرة نرغب فقط في الأكل والشرب، هذا طموح البهائم (..) من حقنا أنْ نفكر ومن حقنا أنْ نعارض كأي دولة وهذه أبسط حقوق المواطنين".
وفي غرفة اخرى، أثنت مستخدمة على فرص التوظيف الجديدة للنساء في المملكة، لكنها أوضحت أن الأمر له تكلفة باهظة.
وأكدت "نحن الآن في طريق المساواة"، مشيرة إلى أن "أغلب الرجال من السعوديين مستاؤون ويقولون لماذا تملك المرأة وظائف أكثر منا".
وفي غرفة اخرى، شاركت سعودية متحولة جنسيا من المملكة تجربتها المروعة مع التحرش والمضايقة، بحسب مستخدمين.
"تعويض عن الفراغ"
أثارت هذه المحادثات غير المسبوقة دعوات حثيثة من قبل مؤيدين للحكومة لأن تقوم الدولة بتنظيمها. وكتب الإعلامي السعودي سلمان الدوسري مقالا في صحيفة الشرق الأوسط بعنوان "المعضلة الأخلاقية كلوب هاوس"، قال فيه إنَّ التطبيق "الذي أحدث جدلاً مجتمعياً قوياً، على الأقل في السعودية ودول الخليج، ليس بسبب فكرته (..) بسبب قدرته على الضجيج العالي الذي تُحدثه نقاشاته بشكل قد يتسبب في ضرب المجتمع بأسره بلا أي ضوابط تنظيمية أو أخلاقية". ونشر الأكاديمي السعودي فهد العتيبي مقطع فيديو قال فيه إن "التطبيق خطر على الأمن الوطني لأي دولة من الدول" بما في ذلك المملكة.
ولم يصدر أي تعليق رسمي من السلطات السعودية.
ويؤكد مستخدمو التطبيق من السعوديين أن الأمر مسألة وقت قبل أن تفرض الجيوش الإلكترونية الموالية للحكومة سيطرتها على "كلوب هاوس" وأنشطته كما فعلت على منصة "تويتر".
ويقول مدافعون عن حقوق الإنسان إنه تم سجن الكثير من منتقدي النظام في السعودية بسبب تغريداتهم، بينما أصبحت وسائل الاعلام الاجتماعي سلاحا بيد الحكومة.
ومن جانبه، يرى أحمد قطَنَّش وهو أحد مؤسسي "مؤسسة الكواكبي" التي تدعم الناشطين في الشرق الاوسط أن "كلوب هاوس يعوض عن فراغ هائل الآن، وشعبيته في الخليج تظهر أن الناس كانوا في انتظار وسيلة جديدة للتعبير عن آرائهم واستكشاف الأفكار والنقاش بحرية ودون رقابة".
وأضاف "أخشى أن تقوم الحكومة السعودية عبر منع التطبيق أو مراقبة الغرف واعتقال الأشخاص لممارسة حقهم في حرية التعبير كما فعلوا مع تويتر في السنوات الأخيرة".