مولانا الشاعر

ثقافة 2021/03/14
...

حميد المختار 
 
حقا يمكننا أن نطلق على الشاعر بالمولى القادر على اجتراح المعجزات الشعرية والابداعية، خصوصا 
إذا كان بمكانة وخُلق ورصانة ورهافة وثقافة الراحل المقيم (محمد عيد إبراهيم).. أيها الشاعر الحكيم والحداثي الذي تجاوز حدود المعارف الشعرية الملموسة، لقد حلقت بعيدا وانت تطلق همساتك في أثير الأرواح ويقينيات العرفان وسر الحداثة ومابعدها، كنت تترجم تجارب الآخرين وتعطي ثمار الترانيم واللذّة المزجاة في الكلمة والوهج واللغة، تلك اللغة التي فتحت لك 
مصراعيها..
كنا في الأماكن المقدسة نتفاءل بالمصاحف، نضمر كلمة سرية في القلب ثم نفتح المصحف وننظر في بداية الآية، وهل هي تحمل معنى الأمل بدل الألم ومعنى الفرح بدل الحزن، ثم ذات ليلة زحفت أصابعي إلى قصائدك 
وفتحت أوراقها لا على التعيين لأتفاءل بما تضمره كلماتك وماتخبرني به من أسرار في الوجود والكينونات، ياسيد المسافات البيضاء الممتلئة، أيها العيد المرتبط بسر ابراهيم وصدق الرؤيا وسعة الهيولى، مانفع القبعة بلا رأس! ومانفع 
الكلمة بلا شفاه! ومانفع الشعر بلا سيده وعيده المقيم في القلوب والافئدة...! 
لو كانت الزهور زهرة واحدة والدموع دمعة واحدة والقبلات قبلة واحدة لكنت أنت الزهرة والدمعة والقبلة... ولكنت الطلوع الوحيد في صحارى الفضة، والفضة الوحيدة في خاتم الزمان والزمان الوحيد في الروح والروح الوحيدة في يد الله... مغبرة هذه السحابة يامولانا، مغبر وحزين بندول الزمن في صدوع مطرك العاصف وهو يضرب أفقا رماديا في واجهة المكتبات المحصنة... ستعزف أبواقك القرمزية في الأفواه المغلقة وأنت خارج الحشد وفي عمق الصمت تحمل الشاهدة والنبوءة ورجْع الصدى في وردة متوهجة على الرصيف... أتذكر المفتتح الجميل في كتابك (قصيدة النثر الأميركية) فقد اختارك "فرانك اوهارا" في مقطعه (ولو كانت نثرا فأنا شاعر حقيقي) وكأنه يومئ لك منذ زمن بعيد وكأنه الرائي الذي علِم سر الآتي المجهول الذي ستنحني له القصيدة وتذوب بين يديه كما لو أنها حبيبته وعروسه في ليلة الدخول المبارك... قصيدة النثر العربية لها فرسانها منذ ستينيات القرن المنصرم، لها هفواتها وانتكاساتها، وصمتها حتى وصلت إليك، ثم كتبتها بروح أخرى كنار أزلية تخرج من رحم الأرض أنثى مليئة بالحياة والغرابة والعنفوان... في كل قصيدة من قصائدك أجد 
روحك وسمت ملامحك وقداسة نفسك وتمردك على المألوف وألفة موتك وسر حياتك رغم رحيلك المبكر... مولانا الشاعر سِرْ في حقلك الأحمر ومطرك النازف وهو ينبجس من النور دافقا ورحيما ليغسل أرواحنا الظامئة ويملأ جرار الشعر خمرا ونبيذا وسحرا، مازالت جثث اللغات وأكوام القَباحات في طريقك أيها النطاسي... أطلقْ كلمتك وأحْيِ بها الخلق الميت وابعث بجمالك لهذه الأرواح الغرثى ولذلك الوجع المستور... قرْ عيناً فقلوبنا ممالك لك وصحائفنا تواريخك وأرواحنا سرَّك المكنون... 
سلام عليك سلاما!.