أمام قاضي التحقيق تنساب الكلمات من لسان الارهابي (عيسى) مدلياً بجمل مرتبكة أفاد بها، من دون أية ضغوط عن رحلته الطويلة مع العنف والإرهاب، التي استمرت لسنوات طويلة على امتداد مساحات جغرافية واسعة من أراضي العراق وسوريا، أزهقت خلالها العديد من الارواح البريئة، ختمها معتقلا بزنزانة منتظراً حكم القضاء العراقي بحقه.
بنظرات حائرة قال (عيسى): «في عام 2006 اعتقلتني القوات الأميركية مع ثلة من رفاقي في مدينة الموصل، ثم نقلنا الى القاعدة الاميركية داخل مطار الموصل، حيث بقيت فيها على ذمة التحقيق لمدة اسبوعين، ومن ثم نقلنا الى سجن (ابو غريب) الذي بقيت فيه لمدة شهرين، ليتم سوقي بعدها الى سجن (بوكا) في محافظة البصرة».
«أثناء مكوثي في السجن تعرفت على شخص يُكنى (ابو علي) وهو من أهالي الموصل، كنت وما زلت (اجهل اسمه الكامل) كون الأسماء كانت غير معروفة لدينا، اخبرني بأنه يعمل في بيع وشراء العجلات داخل مدينة الموصل، ولكونه من محافظتي تقربت منه حيث كنا في أغلب الاحيان نتحدث في الامور العامة. لا اخفي سراً اذا قلت أن شخصيته أعجبتني وتأثرت به كثيراً ربما لأنه يكبرني بالعمر».
طريق الدم
يقول عيسى «بعد مضي عامين من قضائي معتقلاً في سجن (بوكا) اخلي سبيلي لأعود إلى منزلنا في الموصل، ممارسا حياتي الطبيعية من جديد، حيث عملت سائق أجرة في داخل المدينة. مضت ستة أشهر قضيتها منخرطاً بالعمل وتأمين المعيشة لأسرتي متناسياً فترة السجن وتداعياتها علي، لكن حدث أن صادفت (أبو علي) أثناء ما كنت أقوم بتصليح عجلتي، إذ شاهدته واقفاً أمامي، وبعد تبادل التحايا والعناق أخبرني بأنه أفرج عنه من السجن وبحث عني ليجدني في هذا المكان، تبادلت وإياه أرقام الهواتف واتفقنا على التواصل».
ويواصل «بعد مضي شهر على لقائنا اتصل بي طالبا مني الذهاب اليه في منطقة (المجموعة الثقافية) تحديداً كونه يريدني في أمر ما.
حال قدومي اليه على الموعد فاتحني بحقيقة أمره، معترفاً لي بأنه أحد قادة المجاميع المسلحة (أنصار الاسلام) تحديداً، طلب مني الانتماء الى حركته بعد أن القى عليَّ محاضرة (بالعقيدة والإيمان وطرد المحتل ومحاربة الساحة السياسية وما تضمه من أحزاب.. والى غير ذلك من الكلام المليء بالحماسة واللعب على وتر التشدد)، اقتنعت بالفكرة ومددت يدي إليه مبايعاً إياه على السمع والطاعة.
أفهمني أن عملنا يأخذ طابع السرية والكتمان، ثم قام بافتتاح مكتبة لبيع الكتب اتضح انها ستار لـ(مضافة)، تتخذها الجماعة الارهابية غطاءً لعملها، عملت بصفة بائع في تلك المكتبة وكنت اتقاضى معاشي من ايراداتها وفقاً للاتفاق المبرم بيننا».
وتابع «ما لاحظته أن (ابو علي) كان يتردد على المكتبة بين الحين والاخر، متخذاً إياها مكاناً يلوذ به «للاختباء من القوات الأمنية وكذلك من عناصر عصابت داعش الارهابية، التي كانت مجموعته على خلاف معهم وصل الى حد تشكيل الطرفين مفارز للاغتيالات يتربص عبرها احدهم بالاخر»، مؤكدا «قضيت عامين في هذه المكتبة (المضافة) ثم علمت أن (ابو علي) قد تم اعتقاله مجدداً. كان قد اخبرني انه في حال اختفائه وعدم حضوره لمدة ثلاثة أيام فإن علي القيام بغلق المكتبة وعدم الحضور اليها كونه قيد الاعتقال».
وأكد «كنت في عام 2011 قد عينت على ملاك (الوقف السني) كوني خريج جامعة الإمام الأعظم، حيث أصبحت خطيباً لجامع الصائغ في حي البلديات بالموصل. وفي شهر حزيران من عام 2014 اجتاحت (عصابات داعش الارهابية) الموصل وعلى اثرها حضر الى داري شخص (اجهل اسمه الكامل) وفاتحني بالانضمام اليهم، حيث أبلغني بأنني خطيب جامع، وأن نينوى بأكملها قد اصبحت تحت سيطرتهم، ولم ينقض وقت طويل من حديثه معي حتى تمكن من اقناعي بالانضمام اليهم».
البيعة لداعش!
ذهبت الى إحدى مضافات (داعش) في منطقة الفيصلية مبايعاً إياهم فيها، حيث قدمت لهم المؤهلات التي أمتلكها من الناحية الشرعية ليتم اخضاعي لدورة تدريبية، سلمت على إثرها (بندقية كلاشينكوف) مع عتاد ملحق بها.
منحوني كنية (عيسى) وتم تنسيبي للعمل في المحكمة الاسلامية الكائنة في منطقة الفيصلية وارتديت الزي الخاص بتلك المحكمة، ثم كلفت بواجب العمل بصفة كاتب اقوم خلاله بتدوين افادات المشتكين والشهود في ما يخص القضايا الجنائية والاسرية والامور المالية.
حين سألوني عن الكفالة (الراتب) اخبرتهم بأنني أتقاضى راتبي من الحكومة المركزية في بغداد على بطاقة (كي كارد)، كوني احد موظفي ديوان الوقف السني، ليخيروني بين البقاء عليها او تسلمي راتبا منهم، فاخترت البقاء على راتب البطاقة الذكية الذي أتقاضاه من بغداد!.
في شهر تموز من عام 2015 نصبتني (داعش) قاضياً شرعياً وغيروا كنيتي الى (ابو بكر)، ثم تم تسليمي مكتباً خاصاً في بناية المحكمة الكائنة في مبنى القائممقامية ومنحت منصب رئيس لقسم الحدود والجنايات.
قوانين {داعش} وتنفيذ أحكامها
في تلك الفترة كانت تعرض علي العديد من القضايا التي أصدرت بحق أصحابها الأحكام التي اقرتها عليَّ (داعش)، كالرجم وقطع الرأس والرمي من المرتفعات وقطع اليد والساق واللسان وعلى مرأى الجماهير في الشارع. كانت تلك الأحكام قد أصدرتها بحق المئات من ابناء محافظة نينوى، الذين اجهل أسماءهم لكنهم لقوا حتفهم بسببها بطرق الموت الشنيعة تلك.
ستة اشهر كانت المدة التي عملت فيها قاضياً شرعياً حتى قصف الطيران الجوي العراقي مبنى المحكمة ليتم نقل مقرنا الى منطقة (باب الطوب)، ثم حصلت في ما بعد نزاعات بين عناصر ( داعش الارهابية) في ما يعرف بـ (ولايتي) الشام والعراق كانت سببها مطالبة المهاجرين باعطائهم مناصب وظيفية في المحكمة الشرعية.
نقلت الى ما كان يعرف بـ (ولاية الجزيرة) وعينت قاضيا لقرية الجبان التابعة لقضاء البعاج، حيث كانت هذه المحكمة عبارة عن مدرسة فيها شخص واحد من اهالي قضاء تلعفر كنيته (ابو عمر) يعمل بصفة مأذون العقود.
الهروب
بعد أن تقدمت القوات العراقية المسلحة الى مشارف الساحل الايسر من مدينة الموصل الغت عصابات عصابات داعش الارهابية جميع الدواوين وصدرت الاوامر بمجابهتها، حيث حملت السلاح مشاركاً في المعارك مع عناصر (عصابات داعش الارهابية) لمجابهة القوات العراقية المسلحة. وشاركت في معارك كوكجلي وحي القدس والتأمين والميثاق. وحين ادركت ان الهزيمة باتت وشيكة أمام الجيش العراقي تركت سلاحي وقمت بالخروج الى سوريا بصحبة أسرتي، حيث سكنت في (ريف اعزاز) لائذا بمخيم اللاجئين فيها الذي كان يضم العديد من اسر الدواعش.
اثناء وجودي هناك كنت أتقاضى الراتب على بطاقة (كي كارد)، ثم اتفقت مع احد المهربين لإدخالي الى الأراضي العراقية لقاء مبلغ (1600) دولار أميركي من جديد حيث دخلت اليها وتم اعتقالي في كركوك.