الانحياز للخيار الشخصي في قصيدة (الرحلة) لماري اوليفر

ثقافة 2021/03/15
...

محمد تركي النصار
ولدت الشاعرة ماري أوليفر في ولاية أوهايو عام 1935. حصلتْ على أرفع الجوائز الشعرية في أميركا، فقد فاز ديوانها الرابع "بدائي أميركي" بجائزة بولتيزر للشعر في 1984. وحصلت أيضاً على جائزة الكتاب الوطنية، وعلى جائزة الأكاديمية الأميركية للفنون والآداب، توفيت ماري أوليفر عن عمر ناهز 83 عاماً 2019. من دواوينها الشعرية: منزل الضوء،ظمأ، خيول زرقاء، الورقة والسحابة.
قصيدة (الرحلة) لأوليفر هي قصيدة الإصغاء لنداء الداخل، فمنذ أبيات القصيدة الاولى تحثنا المتحدثة على أهمية الانحياز لخيارنا الشخصي والمضي لتحقيق طموحنا من دون الالتفات لأصوات الآخرين:
 
ذات يوم 
عرفت أخيرا
ما الذي يتوجب عليك فعله، وبدأت
بالرغم من نصائح الأصوات السيئة
ورغم أنك شعرت بالبيت كله يختض
وشد قديم في كاحليك
(أصلح حياتي) هكذا كان الكل يصرخ
لكنك لم تتوقفي عارفة مايتوجب عليك القيام به
 
الأبيات الاولى متوترة ذهنيا وعاطفيا وتعبر عن حالة صراع لإنهاء حياة غير صحية والبدء بتجربة جديدة وفك الاشتباك مع ماضٍ مؤلم.
صيغة المخاطب تكثرفي النص وهي تعني أن القارئ مشارك في القصيدة  وهو جزء من فكرة النص ومدعو لأن يتخيل نفسه في مثل هذه الحالة تماما مثل بطلة القصيدة.
تصف المتحدثة كيف أنها وصلت الى نقطة معينة في حياتها اضطرت معها للقيام بما يجب تغييره، لكن الأصوات وضجيج الآخرين ظلت تلاحقها محاولة ثنيها وإرجاعها الى الماضي والتركيز عليه، غير أنها  لم تتنازل أو تتخلَّ عن قرار الانطلاق نحو حياة جديدة مستمرة بالتقدم للأمام:
 
لكنك لم تتوقفي عارفة مايتوجب عليك القيام به
بالرغم من الريح الكئيبة التي أطلت بأصابعها العنيدة عند الينابيع
مدركة بأنك ضيعت وقتا كثيرا 
حيث كان الليل موحشا والطريق مليئة
 بالأحجار المرمية والأغصان المتساقطة
لكنك شيئا فشيئا تركت أصواتهم خلفك مغادرة 
فبدأت النجوم تشتعل بين الغيوم.
 
(الرحلة) قصيدة مجاز عميق؛ ولذلك تتعدد ثيماتها،إذ يتضمن النص أفكارا متعددة تتعلق بمرور الوقت/ الحياة، القوة، التجدد، التحدي.
يأخذ إيقاع القصيدة بالانتقال تدريجيا، ويميل للهدوء بنهاية النص إذ يبدأ الشخص الثاني بالغوص عميقا في عالم جديد بإرادة قوية مليئة بالعزم والتصميم، وهناك ضوء مقبل وقدرة على انقاذ (الحياة الوحيدة التي بالإمكان إنقاذها لتنتهي القصيدة بروح التفاؤل 
والايجابية).
تتألف القصيدة من ستة وثلاثين بيتا في كتلة نصية واحدة، ولاتتبع الأبيات تقفية محددة لكن تظهر هنا وهناك أنصاف تقفيات فضلا عن قافية كاملة في نهاية النص ووسط الأبيات.
وتستفيد اوليفر في القصيدة من عدة تقنيات شعرية منها المجاز والتدوير، والتركيز الأكبر يكون على المجاز، فالقصيدة كلها عبارة عن مجاز كلي يمثل الحياة نفسها فالعنوان (الرحلة) هنا هي الحياة ذاتها. 
ومن خلال التدوير يجبر القارئ على الانتقال السريع بين أبيات النص ليفهم العبارات والجمل بشكل واضح. واذا نظرنا الى الشكل الشعري نلحظ ان عدم توزيع القصيدة على شكل مقاطع يعني استمرارية لمفهوم تدفق الحياة من دون توقف. 
اذ تشرح اوليفر بأن الطريق الى النجاح يستمر في رحلتنا من دون توقف كأن تلاحق الأبيات هنا تعبير عن فكرة استمرار خطواتنا.
ذروة القصيدة تتجلى في الأبيات (النجوم بدأت تحترق وسط الغيوم، وكان هناك صوت ميزته ببطء بأنه صوتك أنت) هنا تمثل الغيوم الأفكار الغامضة التي واجهتنا في وقت مبكر، والنجوم رمز للإدراك المفاجئ بأهمية الذهاب الى طريق مختلف ومانحتاج اليه في هذه الرحلة للوصول الى الهدف، انه صوتنا الداخلي الذي سيوصلنا إلى هناك دافعا بنا للأمام، وهذه النهاية المتفائلة هي تأكيد لحقيقة أن بإمكاننا دائما أن نجد بداية جديدة للوصول إلى الهدف:
 
وتناهى إليك رويدا، رويدا صوت جديد
عرفت ببطء بأنه صوتك، رفيق رحلتك الباقي
وأنت تغوصين عميقا في هذا العالم
مصممة على إنجاز الشيء الوحيد
الذي تستطيعين القيام به
مصممة على إنقاذ الحياة الوحيدة 
التي بإمكانك إنقاذها. 
 
(الرحلة) قصيدة ملهمة لأولئك الذين يقفون حائرين أحيانا عند مفترق الطرق غير عارفين أي اتجاه يختارون..إنها قصيدة المضي لتحقيق مايصبو اليه المرء في لحظة حاسمة من حياته.