الأنا الراوي والآخر المتعدد

ثقافة 2021/03/17
...

  د. أسماء أديب 
 
تنطلق رواية عازف الغيوم لعلي بدر من دواخل بطلها (نبيل) الذي يعيش أفكاره الفلسفية وأحلامه بالمدينة الفاضلة وكيفية تحقيق الأمن والأمان والسعادة عبر موسيقاه، ثم سرعان ما يتلاشى هذا الحلم أمام الواقع الجديد الذي يقاسيه البطل في بلده، إذ يتم تحطيم حلمه وضياعه مع تحطيم آلته (تشيلو) لينتقل بعدها البطل حاملا معه رؤاه الخاصة وافكاره ومعتقداته الحالمة إلى بلجيكا، لتعود القصة والمعاناة ذاتها، ويتنقل معه الروائي عبر حروفه ليشكل بنيته السردية من خلال تضافر الأنا الراوي والآخر المتعدد؛ ليعرض للمتلقي أفكاره بطريقة فانتازيا ساخرة (الكوميديا السوداء).
لذلك يمكن أن أعدّ هذه الرواية ذاتية، لا تتحدث عن ذات الكاتب، بل عن ذات الراوي المشارك في الأحداث بوصفه شخصية رئيسة، وهي متعددة الأصوات، لكنها تتحول في جزئها الثاني إلى رواية الصوت الواحد تقريبا، إذ ينحسر دور الآخر فيها ويتخذ الراوي مهمة سرد الأحداث بتقنية السرد المونولوجي، وهذا ما يفسر تعدد أصواتها في جزئها الأول، إذ كانت مبنية على الايديولوجي، وهي لا تهتم كثيرا بالتحبيك، إنما يكون تسلسل الحدث فيها الهاجس السردي لدى الكاتب، إذ يُظهر هذا التسلسل التناقض المجتمعي الذي تضيق به الشخصية الرئيسة (نبيل) فيلجأ إلى المهرّب وهذا الأخير يوصله إلى بلجيكا، وهناك يقع كثير من المفارقات والتناقضات الحادّة، الأمر الذي يترك نهاية الرواية مفتوحة.
الأنا سجّلت حضورها على امتداد الرواية وكانت ثابتة، بأزاء الآخر الذي كان متغيّرا ومتعدّدا ومتناقضا، إذ كانت النصوص المختلفة في تصوير الآخر مثارا لشد انتباه القارئ وحقلا خصبا للاشتغال النقدي، اشتغال يعمد إلى تصنيف تلك الصور حسب مستفِزاتها الدلالية، وغيريّتها التي تمنح المتلقي تعدّدا صنّافيا، من شأنه أن يرصد آخرين يتفقون في الغيرية العامة، لكنهم يختلفون في الأنساق الدلالية أُوكلت من خلالها الوظائفُ إلى الشخصيات، وهو ما ستقف عنده قناعة القارئ عند الشعور بدمج الأنا بالآخر، وفصل أنواع الآخر وربطها بمنظومة السرد العام، والوقوف على الدلالات الجزآنية، وصولا إلى الدلالة العامة، التي تحاول تبرير توحيد الآخر، المتفرعة على امتداد السرد.
     لقد أدى تغيير الأنا الى وصول المتلقي لرؤية شاملة داخل النسق السردي وفهم الدلالات المبثوثة داخل هذا العمل، ومن ثمة الوصول إلى تلك النهاية المفتوحة، والتي أعدّها نقطة انطلاق لخيال المتلقي ودمج المعطيات السابقة بفكره؛ ليحقق في منلوجه نهاية تنسجم مع ذاته وأفكاره ونظرته للآخر.