محنة النقاد

ثقافة 2021/03/17
...

د. أحمد الزبيدي 
 
ما اتفق النقاد العرب المحدثون على رأي مثلما اتفقوا على تشخيص غياب نظرية نقدية حديثة بمرجعيات معرفية وفلسفية عربية، ولربما شكك بعض الدارسين بغيابها أصلًا عن النقد العربي القديم أيضًا.. 
ومن هنا فإذا كانت هنالك عتبات زمنية فنية يمكن من خلالها رسم الحدود التي تفصل الحديث عن القديم في الشعر العربي فإنها تكاد تكون غائبة في المنطقة النقدية. 
 ومراجعة تاريخ الأدب العربي تقود بالضرورة إلى تأطير التحول عبر التغير السياسي وهو تأطير يعتمد مساحة زمنية يحددها بدء الحكم ونهايته. 
والمراجعة الأدق تُقدح في الذهن المركزية الدينية في تحديد الولادة الفنية وموتها، أي أن السلطة ذات المرجعية الدينية هي المركزية الفاعلة في تحديد حتمية الانتماء الجمالي والمعرفي.. مركزية السلطة تقود إلى مركزية التحول والانتماء.. 
فهل ينطبق ذلك التوصيف على المرحلة الحديثة؟.  
كثيرًا ما يختلف النقاد في المرحلة المبتدئة للعصر الحديث، ولو قرأناها قراءة ثقافية لشممنا رائحة سياسية تقف وراء التعددية، فالآراء المصرية مازالت تحن إلى العامل السياسي في التحديد أعني حملة نابليون؛ ومنهم من يراها مبتدئة من نهاية الحكم العثماني وبداياتها شامية.. ولو دققنا في الأمر جيدا لوجدنا أن لغياب (المركزية) العربية الحضارية أثرًا في ظهور التعددية الفكرية في تحديد مركزيات تشخيص مناطق التحول وزمنها.. 
وصحيح أن هذه الليونة الزمنية نجدها حتى في الثقافة العربية القديمة، ولكن تبقى المركزية السلطوية هي المؤشر الثقافي الحتمي الذي يعلن عن رأي رسمي لا يمكن تجاوزه ومخالفته لا تعني تهميشه وتظل مساحة المخالفة محدودة في ظل حتمية الرأي والفتوى النقدية.. 
إن غياب المركزية العربية انعكس على غياب تشكل المعارف العربية ومناطق تبلورها وزمن اشتغالها ومنها (النقد الأدبي) الذي اعتمد مرجعيات معرفية غربية؛ فحين تسأل ناقدا عارفا بالنقد الحديث: من أين تبدأ الحداثة النقدية؟ 
سيتجاهل نابليون وحملته الفرنسية وسيغض الطرف عن عبد الرحمن الكواكبي ومحمد عبده، وسيجيبك إجابة حتمية: النقد الحديث وحداثته تبدأ من البنيوية وما بعد الحداثة مع التفكيكية.. وليس لنا منهما جمل معرفي ولا ناقة ثقافية، فالناقد العربي يأتيه المنهج جاهزًا بخلاصة مترجمة وليست هنالك من ضرورة التشكل الثقافي المؤسساتي للفكر المرجعي الذي ولد منه المنهج، فالجهود الفردية عبر الترجمة تؤدي إلى لقاحات نقدية يسرع الناقد إلى تلاقفها للحصول على ريادة تطبيقها، ومن هنا وجدنا كثرة التحولات المنهجية وتزاحمها في الساحة العربية عبر سنوات انفتاح سوق الترجمة العربية الحديثة.