قحطان جاسم جواد
من الفولوكلور الشعبي والتراث العراقي، الصناعات والحرف البغدادية، وقدغابت عنا معظمها للأسف بسبب انقراضها وترك أصحابها العمل بسبب تطور الحياة ودخول التكنولوجيا التي حلَّتْ في مكانها. من أبرز تلك الحرف (الطوافون) حيث كان الباعة يحملون قدورهم على رؤوسهم ويبيعون بكاسة صغيرة ويطوفون فيها المحلات ويبيعونها للأطفال.
ورغم اختفاء هؤلاء لكنْ ظهر باعة آخرون يبيعون اللبلبي مثلاً أو الباقلاء بقدورٍ كبيرة في عربات أو محال ثابتة، وكذلك اختفى بائع الباسورك الذي يبيعه في «نجانة» صغيرة وهو ثمرة تنقع بالماء والملح لعدة أيام ويكون مذاقها طيباً جداً، ويشتريها الصبيان الذين يقومون بكسر الباسورك واستخراج اللبة للأكل. كذلك هناك باعة الشلغم المتجولون الذين يبيعونه بقدورٍ تُحْمَلُ على الرأس أو في عربات صغيرة في أوقات العصر والمغرب.
وباعة الدوندرمة التي كانت تباع بعلبة الدوندرمة وتحمل ومعها سطل الماء والأواني برمح غليظ يتعاون على حمله صاحب العمل وأحد صناعه وكل منهما يحمل طرفاً من الرمح وتعلق علبة الدوندرمة فيه، وكانوا ينادون بـ(قيما غلي) حسب تعبير الشيخ جلال الحنفي بكتابه عن الصناعات والحرف البغدادية. لكننا نجد أنَّ الدوندرمة قد تطورت وأصبح لها محال وشركات ضخمة وطريقة صناعة مختلفة، في حين اختفت مهنة الأقدمين.
وهناك أيضا من الطوافين باعة العنبر ورد وهو رجل بيده رمح غليظ يكور عليه كمية من العلوجة التي يسمونها عنبر ورد وتكون مصبوغة بألوانٍ شتى ويقوم البائع ببيعها للأطفال من خلال سحب هذه الحلوى المعلقة على رأس الرمح كقطعة عجين فاذا جاءت بيده كلها من أثر السحب عاد فردها مجدداً على رأس الرمح وهكذا يستمر في عمله الى أنْ ينتهي ما بحوزته من حلويات، وعادة ما يغني البائع أغاني مشهورة يأنس لها الصبيان.
وكذلك باعة الجقجقدر وهو شيء مشابه لعنبر ورد لكنه مصبوبٌ في أوانٍ خاصة يتجول بها البائع أو يضعها في جنبر. وهناك باعة البالوتة الذي اختفى من خارطة الحرف البغداديَّة وهي كما يصفها الشيخ الحنفي عبارة عن نشأ يخلط بالسكر ويطبخ ويصب في صينيَّة كبيرة وحين يبيعها البائع يستعمل السكين في تقسيمها الى قطع صغيرة يبيعها للصبيان في المحلة. ومنهم من يضع البالوتة في أوانٍ ويبيع كل آنية على حدة أو يضعها في جنبر.
من المهن الأخرى التي انقرضت صناعة النامليت كذلك باعة لايمجوز وسفون وهؤلاء يستخدمون بعض التعابير اللطيفة والمحببة مثل نامليت بارد يخلي العجوز تطارد! وكان البائع يضع عدة زجاجات في سطل وثلج ويدور فيها بالمحال والأسواق. وهناك باعة الكُبر أو نبتة الشفلح وهي ثمرة تملح بماء الملح فيأكلها الناس ويشربون ماءها، ويقول باعتها إنه يقتل الدود ويحمر الخدود ويمتن الزنود.
وهناك بائع بيض اللكلك وهو نوع من الحلوى على شكل مستطيل تملأ اليد لكن إذا عصرتها تموع وتذبل سريعاً لأنها عبارة عن وغف منفوخ وإذا وضعتها في الفم ستذوب بمجرد ملامستها للشفتين وهي تصنع من عرك الحلاوة وروح الشكر. من الصناعات البغداديَّة التي ظلت تقاوم الزمن رغم التحديثات التي شهدتها بحكم تطور الحياة صناعة الحلي من الذهب والفضة ومعظمها تكون للنساء من حجول وخلخال وتراجٍ والسوارات والخزامات والزردات وكذلك حلي الأطفال مثل الماشاء الله والجناجل الذهبيَّة الى جانب خواتم الرجال وازرار الثياب. وكذلك هناك النجارون وهم أنواع مثل نجار الابواب والشبابيك ونجار الكراسي والتوابيت والدولاب ونجار الجراجير والجواوين والمياجين ونجار التكم والدلكات ونجار الموبليات.
وهناك صناعة الجراخين التي يمكن دمجها مع النجارين لأنَّ عملهم في الخشب بكل أنواعه. وهناك ايضا صناعة المناخل والغرابيل والدوشمجي الذي يقوم بتحشية القنفات والكراسي ومقاعد السيارات. ويوجد ايضا الحفارون والمنظفون حيث يقومون بحفر آبار ماء الشرب في البيوت وتكاد تكون انقرضت ايضا بحكم تطور الحياة.
وهناك من الصناعات الأخرى الكهوجي والمزيقجي والجايجي والعمالة واسطوات البناء وابو المري وهو الذي يعمل في صناعة وتبديل الزجاج. والصناعات الشمعية باختلاف أنواعها. والعربنجي واللمبجي التي غنى له يوسف عمر أغنيته الشهيرة (مات اللمبجي) والبايسكلجي والاوتجي وصباغ الألبسة والأقمشة والحايج وصناعة الحبر وأدوات الكتابة الأخرى والعرضحالجي والحكاكون وتجليد الكتب والدفاتر وغيرها من الحرف.