لماذا لا تستطيع الولايات المتحدة فك ارتباطها بالشرق الأوسط؟

آراء 2021/03/18
...

   د. خالد هاشم
 
لا شك أن تراجع أهمية الشرق الأوسط الستراتيجية، بات من المسلمات في السياسة الاميركية، وهو التراجع الناتج عن الإحباط المتزايد من التدخلات الأميركية على مدى أكثر من عقدين في هذه المنطقة المثقلة بالمشكلات
 والصراعات. 
فضلا عن أن الولايات المتحدة تواجه تحديات أكبر في مناطق أخرى من العالم وعلى رأسها منطقة جنوب شرق اسيا، حيث العملاق الصيني، ومع ذلك فإن مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لم تختف تماما، واحتمال أن تؤثر مشكلات الشرق الأوسط على أميركا إذا تركت من دون علاج، هو احتمال قائم كما حصل في السابق، خصوصا اذا ما سارعت الولايات المتحدة للخروج من الشرق الأوسط، فقد تجد نفسها تتراجع عن ذلك الانسحاب في ظل ظروف أسوء وبتكاليف أعلى في
 المستقبل.
  صحيح الولايات المتحدة دخلت مجال الانتاج النفطي، وأصبحت تمتلك كميات كبيرة من النفط والتي من المؤمل أن تجعلها إحدى الدول المصدر له بعد عام 2030، الا أن دول الشرق الأوسط لا تزال على قمة ترتيب الدول التي تملك احتياطيات ضخمة من الطاقة، تمنح ثروة كبيرة وسلطة لمن يسيطر عليها، وبالتالي فإن الأهمية الستراتيجية للشرق الأوسط – وضرورة إبعاده عن الأيدي المعادية ستظل قائمة ومطلوبة.
 النقطة المهمة الأخرى، هي أنه هناك بعض القضايا الملحة أبقت على الولايات المتحدة ضرورة انخراطها في الشرق الأوسط. فمنذ سبعينيات القرن الماضي، كانت لأميركا مصلحة كبيرة في منع الإرهاب الدولي أو مكافحته، وجزء كبير منه كان يأتي من هذه المنطقة. فقد واجهت الولايات المتحدة العدوان على الدول الصديقة ومنعت انتشار أسلحة الدمار الشامل من قبل الدول المارقة أو الجهات الفاعلة غير الحكومية
 هناك. 
 كما كانت هناك دائما مصلحة أميركية في تعزيز السلام والديمقراطية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط - مصلحة لم تكن أبدًا بأهمية المصالح الأميركية الأخرى، لكنها مارست قوة جذب قوية للسياسة الأميركية، مما جعل من المستحيل على المسؤولين الأميركيين تجاهل هذه المنطقة. 
 
بماذا يخبرنا التاريخ؟
 خلال الحرب العراقية الإيرانية، دعمت إدارة ريغان النظام السابق كحصن ضد نفوذ طهران في المنطقة، لكن في الوقت نفسه، امتنعت الولايات المتحدة عن تواجد عسكري لقواتها على الشاطئ في الخليج العربي، خوفًا من التحريض على تلك القوات، ومن ثمّ تعرضها للهجمات الإرهابية، أو خوفا من الإساءة إلى الحساسيات المحلية، أو تشويه سمعة الأنظمة الصديقة للولايات المتحدة هناك، بمجرد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية.
بدأ الاهتمام الأميركي بالمنطقة يقل، لتتم إعادة تركيزها على أولويات أخرى، انعكس هذا التوجه الأميركي بقيام صدام  باجتياح الكويت، أسهم ذلك بتدخل هائل للولايات المتحدة لاستعادة التوازن الإقليمي الذي اختل، لكن استمرار الوجود العسكري الأميركي في المنطقة بعد عام 1990، كان محل قلق المسؤولين الأميركيين لناحية جعل القوات الأميركية هدفًا للجماعات الإرهابية، التي عارضت التواجد الأميركي في الخليج وعارضت في الوقت نفسه حكوماتها الاستبدادية، ذلك القلق كان مبررا عندما بدأت القاعدة في استهداف أهداف أميركية في المنطقة
 وخارجها.
 قدمت هجمات 11/ 9 دليلاً على أن مشكلات الشرق الأوسط يمكن أن تصل وتلامس الولايات المتحدة بطرق كارثية، فكان رد إدارة جورج دبليو بوش بالإسقاط الهائل للقوة الأميركية في المنطقة، وركزت على هزيمة القاعدة، وإسقاط الحكومات المعادية في كل من أفغانستان والعراق، وبشرت بولادة الديمقراطيات المستقرة في المنطقة، وبالتالي تحويل منطقة الشرق الأوسط إلى الأفضل، وعندما ثبت أن هذا المشروع أكثر تكلفة وصعوبة مما كان
 متوقعًا.
 سعت إدارة أوباما إلى الحد من ارتباطها بالمنطقة وفك ذلك الارتباط والتمحور في مناطق أخرى واعدة وأكثر حيوية ومصالح للولايات المتحدة، كمنطقة جنوب شرق
 اسيا. 
 ومع ذلك، حتى إدارة باراك أوباما، المتحفظة جدا على التدخل في شؤون منطقة الشرق الأوسط، لم تكن قادرة على الخروج نهائيا منها، فقد أدت المخاوف الإنسانية في ليبيا إلى عمل عسكري هناك، كما أسهم الانسحاب الأميركي من العراق والتقاعس في سوريا في الانهيار الإقليمي، الذي اضطر الولايات المتحدة في نهاية المطاف إلى إعادة التدخل للتعامل مع هذا التهديد الجديد والمتمثل بعصابات داعش الارهابية.
 ما نريد قوله هنا وما يريد أن يخبرنا به التاريخ حول مستقبل الارتباط الاميركي بمنطقة الشرق الأوسط يعود الى صعوبة قيام الولايات المتحدة بالانسحاب نهائياً من منطقة الشرق الأوسط من دون أن تكون هنالك عواقب لذلك الانسحاب على مصالح الولايات المتحدة الأميركية، ذلك لأن للولايات المتحدة مصلحة ملحة في هذه المنطقة، وفي مقدمة تلك المصالح الملحة هي تنامي النفوذ الروسي، وطموحات ايران في الهيمنة، وعودة المنظمات الإرهابية، وعدم الاستقرار السياسي والعنف الذي ميز هذه المنطقة من العالم، هذه كلها مشكلات حقيقية تواجه الإدارة الأميركية الحالية، صحيح أن الولايات المتحدة تحاول أن تطلب من حلفائها في المنطقة أن يفعلوا أكثر للتعامل مع مشكلات المنطقة، لكنهم غير قادرين وبشكل واضح من دون دعم أميركي
 كبير.