د .حسين الخاقاني
يتعرض الفرد في تعاملاته اليومية الى انفاق خفي قد لا يشعر به، لكنه يشكل تراكماً مهماً وهدراً مالياً كبيراً خلال السنة، وفي الوقت نفسه يشكل مورداً غير اعتيادي لآخرين، وهناك ثلاثة منافذ لذلك الانفاق المهدور، نراه مرة من خلال غياب الفئات الاصغر للعملة المحلية، ومرة بشراء كميات من السلع اكثر من الحاجة الفعلية، لوجود قيد على الحد الادنى لكمية السلعة، ما ينعش النفايات من دون مبرر، ومرة باستخدام السيولة النقدية المباشرة بما تحتويها من فئات ممزقة او تالفة او مزورة وامكانية تعرضها للفقدان او التلوث ونقل الامراض .
ان عدم وجود الفئات الصغيرة من العملة المحلية يشكل عبئاً على جميع المستهلكين، وهو المظهر الاول من مظاهر الهدر المالي
الفردي.
ففي حال شراء سلع يقل سعرها عن اصغر فئة متداولة سوف لا يمكنه استرجاع المتبقي من المبلغ لعدم وجود فئات اصغر من العملة وهذا بالتأكيد يصب في مصلحة البائع، وهذه الحالة ليس لها علاج سوى قيام البنك المركزي بتوفير الفئات الاصغر كما كان معمولاً به قبل ثلاثة عقود تحقيقاً للعدالة وتقليلا للهدر في الميزانيات الفردية .
هناك صورة اخرى لمظاهر الهدر الفردي نلاحظها في المشتريات الموزونة من الخضر والفواكه وتتقيد بحد ادنى للاوزان مثل كيلوغرام واحد و مضاعفاته، اذ يضطر المستهلك الى ان يشتري دائماً اكثر من حاجته الآنية، ما يسبب هدراً في الاموال وتبذيراً في السلع .
ان حل هذه المشكلة جاء من خلال التطور التكنولوجي لاجهزة قياس الاوزان الرقمية التي تمتلك ذاكرة تختزن اسماء السلع واسعارها وبامكانها ان تعطي الوزن والسعر بكل دقة على ورقة مطبوعة، ما يسهل شراء اصغر الوحدات مثل برتقالة واحدة وتفاحة وحبة طماطة وغير ذلك، وبذلك يمكن للمستهلك تنويع سلته من المشتريات الضرورية بأقل مبلغ يمتلكه والسيطرة على مصروفاته بشكل أفضل .
اما المظهر الثالث للهدر المالي الفردي فيتمثل في حاملي بطاقة الدفع الالكتروني من الموظفين والمتقاعدين ، فعندما يرد اشعار باطلاق الراتب فانه سرعان ما يلجأ حامل البطاقة الى استلام راتبه نقداً من مكاتب الصيرفة مخصوماً منه العمولة .
ولعل اهم سبب في ذلك هو عدم توفر اجهزة قراءة بطاقات الدفع الالكتروني تلك الاجهزة التي يفترض توفرها عند كل الجهات الرسمية والقطاع الخاص لتحصيل ديونها كالمولات والمحال التجارية الكبيرة والصغيرة و سائقي سيارات الاجرة ومحال بيع الخضر والفواكه والافران والمطاعم، وحتى دوائر جباية اجور الماء والكهرباء وتسديد الرسوم في المعاملات والتحصيل الضريبي .
ان استخدام تلك الاجهزة سيجنب المواطن العملات التالفة والمزيفة ويجنبه الدفع اكثر من المطلوب ويقلل بشكل كبير من استخدام العملة الورقية .
ولعل الجهة التي فرضت البطاقة الالكترونية على الموظفين والمتقاعدين قادرة على فرض استخدام الاجهزة القارئة لهذه البطاقة في تحصيل ديونها مع دعمها بحوافز، وفرض غرامات على عدم الاستخدام، وبذلك نكون قد حافظنا على العملة الورقية في الاستخدام لاطول فترة، وساعدنا المواطن في السيطرة على مصروفاته وتسديد ديونه من دون تبذير، وبالنتيجة تحقيق العدالة والتقليل من الهدر .