الرواية العربيَّة المبكرة، ريادة نسويَّة مهملة

ثقافة 2021/03/19
...

 حسين العبدالله
 
 
نَحنُ الآن نوقدُ لهبة الشمعةِ لنرى ما لمْ يَره الكثير في الضوء، بل وربما لم يشأ أحدٌ أن  يبصر تلك الزاوية التي تنتظر من يعرّفها للعالم ويقدمها للمهتمين، نحنُ على أعتابِ حقيقة لم يؤمن بها النقاد ولا المؤسسة الأدبية التي من مبادئها إنصاف الأديب وتاريخ الكتابة الأدبية إلا أنها أهملت الريادة النسوية للرواية بغرابة بالغة، ودموغمائية عجيبة. 
تبقى الرواية العربية المبكرة إشكالية، ومحطَّ جَدلٍ قائم: في من هو صاحب أول رواية عربيّة حقيقيّة، فيها كل المعايير التي  تخوّلها أن تكونَ روايةً، ومن هذا المنطلق لابّد لَنا أنْ نَعي الكتابة التي جاء بِها عصر التنوير العربي وأن نَفهم: هل ما كُتبَ هو حقاً أعمال روائية أم تصنّفُ تصنيفاتٍ أخرى، ففي العام "1855م" كان هُناك عَملٌ رأى النّور بعنوانِ (الساق على الساق فيما هو الفارياق) للكاتب أحمد فارس الشادياق، لكنّ هذا العمل هو أشبه بأدب سيرة ذاتية، يتحدث فيه الكاتب عن بعض الخصائص اللغوية، و ما يخص النساء من  جمال وقيم، ونقد للمجتمعات أيضاً،  ولا يمكن أن يعد عملاً روائياً بالمعنى الحرفي للرواية، ثميَليه عملٌ هو الأقرب للرواية للكاتب خليل الخوري بعنوانِ (ويإذاً لست بإفرنجي) هذا العمل الذي يقدم لنا مفارقة بين الشرق والغرب والثقافة العربية ونظرة العربي تجاه الآخر الغربي، لربما يمكن أن يعد العمل الروائي الأقرب لمفهوم الرواية، إلّا أنّه لا يخرج من إطار التعليمية أو عن ما يسمى بأعمال اليوتيوبيا التي تضم تحت خيمتها عملين آخرين  واحد لفرانسيس المرّاش (غابة الحق) وما كتبه فرح أنطوان في "المدن الثلاثة" وإن جرى الوصف  على أنها روايات الا أننا نجّنسها رواياتٍ لكن باستحياء لكونها مقالات تعليمية ونصوص نثرية تعليمية ويوتيوبيا كُتبتْ بطريقة الرواية، نظراً لما تركه الأثر الروائي الفرنسي في نفوس كتّابها، فأستغلوا طريقة البناء السردي متأثرين بالرواية الفرنسية ليكتبوا أفكارهم التعليمية وفق هذا النسق الذي هي عليه، و نحن هنا نُخرج ما كتبه محمد المويلحي في (حديث عيسى بن هشام) من موضوعة الرواية العربية المبكرة، كون ماكتبه المويلحي مقامة  حديثة، بل هو مقامة مطوّرة ومحدّثة  ولا يمكن أن يُعد رواية لأسبابٍ مِنها: سجع الكتابة وقلق الحدث فيها وارتباكها فنيّاً، ولكن ما يهم فعلاً هو ما قدمه النقاد والمختصون بتاريخ الرواية العربية ومن بينهم فيصل دراج وآخرون...، إذ وضِع اسم محمد حسين هيكل وروايته "زينب" الصادرة عام "1914م" على أنها الرواية العربية الفنية الأولى، متجاهلين  ثلاثة أسماء نسوية كان لها السبق في كتابة الرواية بالشكل والمعيار الفني الذي يجعلها الرواية الفنية العربية المبكرة، وأول هذه الأعمال "حسن العواقب" للكاتبة زينب فواز العاملي، هذا العمل الروائي الصادر عام "1899م" والذي يسبق عمل محمد حسين هيكل بأعوام، إلّا أنه أهمل تماما  سواء في المؤسسة الأدبية وحتى على المستوى الثقافي العام، ولعل الأيديولوجية الشخصية بالنسبة للناقد هي من دفعته لتهميش الريادة النسوية للرواية خصوصاً لارتباطها بزينب فواز العاملي، مما أدى ذلك أيضاً إلى اهمال وتغييب  لعمل ريادي آخر نسوي للبيبة هاشم "قلب الرجل" وهذه المرأة التي كانت شديدة الدعوة إلى انصاف المرأة، متمسكة بمبادئها النسوية، قد نسجت هذا الرواية في عام "1904" وهي أيضاً أسبق من رواية محمد حسين هيكل، أمّا الرواية الأخيرة  فهي لعفيفة كرم  وروايتها "بديعة وفؤاد" الصادرة في العام "1906"، إذن نحن أمام ثلاث روايات  نسوية أسبق من رواية 
"زينب" لهيكل، وهذه الروايات لا تقل قيمة عن عمل هيكل فنيّاً؛ لذا سأبقي السؤال مفتوحاَ، ما السبب الذي يجعل الدارسين والمختصين في تاريخ الرواية العربية، يهملون هذه الأعمال الروائية الثلاثة، ويصنفون رواية "زينب" على أنها هي الرواية الرائدة فنياً؟!.
هل حساسية "الفالوغوسنتري" وجينيالوجيا التكوين النفسي، تؤدي بالناقد العربي إلى تجاهل أسماء 
الثقافة النسوية، خصوصا أنّ رواية هيكل أيضاً لم تسلم من النّقد والتشكيك في خصوصيتها الفنيّة. وما هو المعيار الذي التمسوه في  رواية "زينب" ولم يلتمسوه في غيرها؟!.