أرض الشهوات

ثقافة 2021/03/20
...

حميد المختار 
ماذا لو أن بلداننا ستكون دائما بهذه الصورة الديستوبية القاتمة، ليل وموت على الطرقات وبكاء في الغرف المغلقة واختفاء واعتقالات ودمار ورحيل إلى جهات مجهولة ومنافٍ بعيدة ...؟!!! هنا موت وهناك موت وبلاد صارت عاصمة الظلمة والأحزان والموت، سيدة الحروب بلا منازع.. من أين يأتي كل هذا الموت!؟
يمكننا اذن أن نشير إلى وثائق الحرب وموت الأبرياء العزل هنا في المجموعة القصصية (أرض الشهوات) للقاص والكاتب السوري (أيمن الغزالي) ثمة أرواح مهشمة ونفوس مهمشة وأقدار بالية تقود أصحابها إلى نهايات ودروب أبدية، عشر قصص [العتبة، (ديستوبيا)، الطريق إلى خربة الريحان، يوم واحد، سقوط النظام، من قبر إلى قبر، الأمانة، مات فلان من الناس، أم زيد، اليوم الأخير والأول].. تشكل هذه القصص بسردها الأسود القاتم فصول رواية واحدة لعوالم واحدة وشخصيات ذات نوع واحد لكنها متكررة في كل قصة، كل القصص تشير إلى ثيمة واحدة هي ثيمة الحرب والخراب والهجرة إلى منافٍ بعيدة، رحلة ندم بلا نهاية ونهايات مقبلة لكل رحلة، مصائد الشوارع والسيطرات المسلحة في الشوارع المقفرة والحذر المطلوب في كل الأوقات والخوف الذي يعطل مرور الذاكرة ويوقفها في مشاهد لا تُنسى، السفن المتأرجحة في خلجان الموت وبحور الظلمات، والموجة العظيمة التي ترمي بحقائب المسافرين إلى الأعماق.. 
يذكرني هذا القاص الموغل في حدود الجرح بجرحنا في العراق وموت المهاجرين إلى الحرية، هناك في أعماق المحيطات، موت في البحر وموت على اليابسة، قدم هنا وقدم هناك.. الموت هناك يشبه موتنا هنا تماما، الحكاية واحدة في أرض الشهوات والفلوات العربية التي صارت تُحاكي شكلا واحداً ومضموناً يُعدُّ له بعناية فائقة، وعلى الساردين تحديد هويات النصوص ورسم شكل كواليس تلك النصوص، وقد استطاع (أيمن الغزالي) بقدرته اللغوية والحكائية أن يلم بجوانب المعضلة الوجودية في بلده وأن يوثق مصائر أبطاله في قصص عشر وكأنها قصة واحدة لبلد واحد يموت كل يوم ويُبعث كالعنقاء، لكن الذين يرحلون لن يعودوا ثانية سيتلقفهم الموت هناك في أرض غريبة أخرى.. لا خلاص لهذه الأوطان ولا خلاص لنا كشعوب عربية مبتلاة بالتطرف والدكتاتوريات المتناسلة والحروب المستنسخة.. [أين أهلي، أين اخوتي، أين زوجتي وطفلي، أين الناس، أين العالم، من دمر منزلنا...؟!]، ص27 (قصة ديستوبيا) هذه الجملة والتداعي الحزين هي التي شكلت الثيمة الرئيسة لكل هذه القصص والملاحم الدموية والتواريخ المحترقة.. إن مجموعة (أرض الشهوات) وثيقة إنسان محكوم بالموت والغربة والهروب إلى حافات الهاوية المقبلة.. كل شيء قابل للانهيار، لا مفر إلا منك وإليك أيها الوطن.. لقد استطاع أيمن الغزالي بكل مقدرته السردية أن يوصل لنا حالة البلاد والعباد في واحدة من أجمل السرديات العربية قدرة ووعيا لحدود الفوضى العارمة..وليقدم لنا صورة واقع ملغوم ومستقبل غامض، إلا أن المفرح في الأمر أن هذا الكاتب مازال موجوداً وحياً هو وزملاؤه ليدونوا حال الناس والأوطان في قصص ستمكث في الذاكرة طويلاً!.