عيد نوروز

آراء 2021/03/21
...

 ايفان ناصر
عيد نوروز من المناسبات والاعياد التي من الممكن أن تصنف أنها الوحيدة التي تحتفل بها عدة شعوب وقوميات مختلفة بالعالم وفي العراق بشكل خاص، إذ يعلن رسمياً عطلة في جميع الدوائر بالدولة ويحتفل به كل العراقيين بدون استثناء ويبقى سحر الطبيعة الخلابة في كردستان هو الذي يجذب الجميع الى هناك للاحتفال بهذا
العيد .
كلمة (نوروز) نجد لها جذوراً في كتاب الافيستيا القديمة, حيث تتكون من مقطعين؛ المقطع الاول (ئافا) ويعني (الجديد) والمقطع الثاني (اوزا) ويعني (ضوء الصباح) أو (اشراقة الصباح) وعند دمج المقطعين فان الدلالة ستكون (اليوم الجديد) او (اشراقة صباح جديد) . 
فكلمة (نوروز) باللغة الكردية مؤلفة من مقطعين؛ المقطع الاول (نو) ويعني  (الجديد) و (روز) ويعني اليوم، ليكون المعنى الشامل للمقطعين (اليوم الجديد) وهو اول يوم من ايام السنة بحسب التقويم الكردي القديم، والذي يصادف (21) من شهر (اذار) من كل عام، وهو اول يوم من ايام (الاعتدال الربيعي) إذ دأب الكورد منذ قديم الازمان على احتساب السنين بدءاً بفصل (الربيع) على غير عادة الشعوب الاخرى، ويستند عيد نوروز الى مرويات تاريخية متنوعة  واعتمدت  على  عدة مصادر تاريخية قديمة لشعوب منطقة الشرق الاوسط والادنى،  والرواية الاكثر تداولا هي أنه قد ظهر سفاح يسمى (ازدهاكك) وتعني هذه الكلمة باللغة الفارسية (الحية الكبيرة أو التنين الكبير والعظيم جداً الذي يبتلع كل شيء) ، اما في اللغة الكردية فتعني (كل حيوان مفترس اسطوري يلتهم الانسان) وقد سمي هذا الملك الطاغية بهذا الاسم لظلمه وشدته وجبروته، إذ استطاع بطغيانه واستبداده ان يستولي على الاراضي المنبسطة والحواضر الملحقة بها من ايران والهند وبلاد ما بين النهرين وصولاً الى الجبال والتضاريس الوعرة بمحاذاة تواجد الاقوام الهندو اوروبية القديمة التي كانت تسكن هذه المناطق، وهي الارض البكر التي استوطنت فيها السلالات البشرية القديمة والتي شكلت الجذور الاولى لظهور الكرد على مسرح التاريخ , فهذه الاقوام التي يعود اليها الكرد لعبت دورا في الحضارات التي كانت في مناطق الشرق الادنى ، وقد عربت كلمة (ازدهاكك) ، فقد ذكرت المصادر التاريخية ان هذا الطاغية كان يسمى (الضحاك)، وذلك لانه كان يضحك اثناء سفكه لدماء الابرياء ، وتقول الاساطير التي انبنت عليها فلسفة نوروز ان الملك الطاغية (الضحاك) قد اصابته اللعنة بسبب شره وظلمه للناس وان الشمس رفضت الشروق على مملكته وان افعيين كبيرتين قد خرجتا من كتفيه ،  وعندما تجوعان يشعر هو بألم عظيم والطعام الوحيد الذي كان يرضيهما  هو ادمغة الاطفال ،  فكان (الضحاك) يأمر بقتل ابناء الشعب الكردي ليطعم بأدمغتهم هذه الافاعي ، فكان يسوق الواحد تلو الاخر الى حتفه لارضاء هذه الافاعي وقد قتل هذا الملك المستبد عشرين ابناً من ابناء (كاوة الحداد) بطل الاسطورة او المروية التاريخية ليطعمهم لأفاعيه الشريرة وعندما وصل الامر الى ان يأمر الضحاك جلاوزته بذبح ابنة (كاوة) الصغيرة استشاط غضباً وثارت ثائرته فهب للدفاع عن نفسه وابنته الوحيدة وعزم على الاطاحة بهذا السفاك  فأخذ المطرقة الحديدية التي كان يعمل بها طوال اليوم واخذ شعلة من النار التي كان يوقدها لاذابة الحديد ، واجتمع حوله الكادحون والمضطهدون من ابناء جلدته ومن جميع القرى ونزلوا من الجبال المحيطة بقلعة الملك الطاغية فاقتحموا القلعة الحصينة ودخل (كاوة الحداد) الى البلاط الملكي ليجد (الضحاك) منغمساً في سكره ومجونه فوجه له ضربة بمطرقته الثقيلة اودت بحياته، وقد بنى (كاوة الحداد) مشعلاً عظيماً وصرحاً عالياً لانارة الارض ولاعلام اقوام ما بين النهرين بأن السفاك الظالم (الضحاك) الشرير قد قضى هو وافاعيه الشريرة وانه قد اقبل يوم جديد ألا وهو يوم (نوروز) الذي يعيش فيه الناس عيشة جديدة في امان وسلام ووئام فقد اشرقت الشمس فيه من جديد ، فهذه هي المروية التاريخية التي ترتكن اليها فلسفة نوروز والتي شكلت القاعدة  المتينة التي تنطلق منها اعياد نوروز التي تثير مشاعر الفرح عند الانسان الكردي وتحثه على النضال والاستمرار والمضي في دروب التحرر والانعتاق ،  ويعتبر شهر اذار الذي يسمى بالتقويم الكردي شهر نوروز محركاً ومفجراً لمواجهة الظلم والاستبداد وخير شاهد على ذلك اندلاع انتفاضة اذار عام 91 من القرن الماضي ضد النظام البعثي المباد التي اثمرت تشكيل حكومة اقليم كردستان العراق عام 1992.