د. باسم الإبراهيمي
يكتسبُ موضوع استدامة الدّين العام أهمية متزايدة في السنوات الأخيرة، سواء على المستوى الدولي أو المحلي، وقد أدرجت اليابان (بوصفها رئيس مجموعة العشرين في الدورة الحالية) موضوع القدرة على تحمل الديون كقضية ذات أولوية في جدول أعمال
المجموعة.
وتشير البيانات المتوفرة الى أنَّ الدّين العام في الاقتصادات المتقدمة بلغ مستويات هي الأعلى منذ الحرب العالمية الثانية، رغم بعض الانخفاضات المسجلة مؤخراً، وفي الاقتصادات الصاعدة تراكمت الديون إلى مستويات لم نشهدها منذ أزمة الدين في ثمانينيات القرن الماضي، أما البلدان منخفضة الدخل فإنَّ (40 بالمئة) منها (أي 24 من مجموع 60 بلداً) بلغت مرحلة المديونية الحرجة أو أصبحت قريبة منها وهي المرحلة التي يعجز فيها البلدّ المقترض عن سداد خدمة الدين العام، ما يمكن أنْ يُحدث اضطراباً كبيراً في النشاط الاقتصادي واستقراره.
من المؤكد إنَّ الأزمة المالية العالمية عام 2008 كانت السبب الرئيس في تضخم الدّين العام على المستوى الدولي التي عكست نتائج إيجابيَّة في بعض معطياتها الخاصة بتحريك النمو الاقتصادي في بلدان الأزمة تحديداً، إلا أنَّ الإشكالية المطروحة اليوم هي عدم تناقص المديونيَّة بشكل ملحوظ بل زيادتها في بعض الدول، فضلاً عن المخاطر المستقبليَّة المحتملة لهذه المديونيَّة في حال ارتفاع أسعار الفائدة التي هي حالياً في مستويات منخفضة جداً، وبالتالي ومن ثم مدى القدرة على استدامة الدين في حال حدوث ارتفاعٍ في أسعار
الفائدة.
الدّين العام بحد ذاته لا يمكن الحكم عليه بشكل سلبي عموماً وإنما يبقى المحدد هو إنتاجية الدّين، أي العائد المتحقق من الدين العام مقارنة بتكلفته، وبدورها فإنَّ إنتاجيَّة الدّين ترتبط بوضوح الرؤية الاقتصاديَّة للبلد المقترض، فضلاً عن مدى شفافية التعامل مع الدّين وقوة المؤسسات العامة وإنفاذ القانون، وبالتالي كلما توفرت تلك المحددات وكان الدّين موجهاً لمشاريع إنتاجيَّة أو مشاريع يمكن أنْ تسهم في زيادة الإنتاجيَّة مثل البنى التحتية كان البلد قادراً على تغطية كلفة
الدين.
وفي إطار ما ذكرنا فإنَّ السؤال الذي يطرح نفسه بالنسبة للعراق: هل لدينا القدرة على استدامة الدّين في ظل الوضع الراهن الذي بات فيه الدّين العام يشكل بحدود (50 بالمئة) من الناتج المحلي الإجمالي، فضلاً عن موازنة بعجز أولي يزيد على العشرين ترليون دينار
عراقي؟.