نمطيّة التشيؤ.. في (فايروس)

ثقافة 2021/03/23
...

ابتهال بليبل
 
لا يعني أبدا أنّ اتخاذي لموقف محدّد - من وجهة نظر نسويّة- ضد ما تبنّاه المسلسل المحلي (فايروس) أنّ عليّ بالضّرورة اتخاذ مواقف مماثلة من الكتابة الدرامية العراقية برمتها.. المسلسل محل التحليل هنا هو من تأليف أحمد هاتف وإخراج جمال عبد جاسم، وقد تابعته بعين الرؤيا والرؤية فكانت هذه الخواطر التي أجدها ضروريّة جدا في محاولة تأشيرها مسارات (التمثيل) وخاصة دور المرأة وشخصيتها ونمطية ظهورها الذي من الممكن أن نتساءل: هل اتّسم بالتمثيل الناقص، أم المقاوم، وربّما الحر؟.
لا يمكن التوصل إلى إجابة مقنعة من دون رؤيا ومرجعيات المعالجة النسويّة تجاه الخطاب الأبويّ وسياسات الجسد الأنثوي وكذلك النهج البيومتري المتبع عادة في الكتابة الدرامية عن الشخصيات النسائية وكيفية معالجتها داخل حيز النص الدرامي.
فالمتعارف عليه أن الصور النّمطيّة للمرأة في المسلسلات المحلية- كما تجادل النسويات- تمارس عادة ادوارا متطرفة تتمثل بـ (المرأة المغوية -القوارير الضعيفة- المرأة الكاملة العفيفة- النّساء المشاكسات الوقحات) ومن هنا وقعت الكتابة الدرامية في مأزق إخضاع المرأة للقولبة الجاهزة.
وهنا دائما تبنى مثل هذه الأدوار على (الفتشية) الأنثوية ومن ثمّ فإن المرأة باتت انموذجا لعدم القدرة على اتخاذ القرار، إذ إنها تديم (أسطورة الرجولة) لأنها دائما ما تفضل الاستجابة لقرارات الرجل وتتصرف وكأنه المهيمن الضاغط على ذاتها وجسدها على الرغم من تعرضها لصدمات كثيرة من قبله. 
تعيش (هندرين) إحدى بطلات المسلسل في مجتمع أبوي أصابها بصدمة من خلال مجموعة من التجارب الشريرة في (تهكير صفحات الالكترونية بحثاً عن أدلة غير أخلاقية) وحكم عليها في النهاية بتشويه سمعتها  عبر ابتزازها الكترونيا على يد صديقها الشخص الذي كان يساندها وكل هذا لأنّه لم تعد له القدرة في السيطرة عليها وعلى اعتراضاتها على سلوكه الذي تفاقم باستغلال النساء، وهنا تعتمد الفكرة كما يبدو للمتمعن بشكل كبير على نظريات المفكر الفرنسي ميشيل فوكو (1926 - 1984) حول التشيؤ الجنسي مقابل الذات، اذ يحاول المسلسل من خلال هندرين إدامة التشيؤ الجنسي للمرأة وفي الوقت نفسه يعاقبها على ذلك، فضلا عن أن أحداث المسلسل لا تعترف بمفاهيم (الأختية) بين النساء في مجتمع يكافح من أجل البقاء.
وقد جاء تفاعل الشخصيات النسائية مع الابتزاز الجنسي بالطريقة التي عرضت في المسلسل، غريبا وغير متوقع أبدا، اذ كن ساذجات لا يفرقنّ بين العام والخاص وغير جادات في مواجهة معاناتهن.. وكأن الأمر برمته يعد تسويغا لإدانتهن بأنهن غير واعيات أو قليلات الفهم! 
أحداث المسلسل لم تقدم لنا امرأة "قوية" بل وضحت لنا كيف يمكن أن يكون شكل الخراب النسوي. وهذا تشويه للمألوف، لأن التمييز بين النساء على أساس خبراتهن من تجاربهن التي خضعن عبرها للانتهاك والتحقير والاذلال يخدم التوجهات الذكورية فحسب.
وأخيرا أظن أن على الدراما – في ما يخص المرأة على الأقل- أن تفك نمطية الأطر دائما وتعيد انتاجها في صورة تنحاز نحو مفاهيم أكثر انصافا وعدالة.