من سوفوكليس الى نت فليكس

ثقافة 2021/03/23
...

  عفاف مطر 
ولأني أعلم أن هذه المنصة لا تختار إلا عرض الأعمال ذات القيمة الحقيقية أو ذات الجماهيرية الكبيرة، قررت متابعة المسلسل، وكانت دهشتي كبيرة منذ الحلقات الأولى حتى الحلقة الثلاثين وهي الأخيرة. المسلسل يطرح فكرة مهمة وسؤالا شائكا، إنه ماذا لو رجع بنا الزمن ومنحنا مرة أخرى فرصة في إعادة اختيار القرارات؟ يطرح العمل أن الانسان دوماً وأبداً، أمام خيارين فقط، الخمس عشرة حلقة الأولى، نرى أبطال العمل وهم يتخذون أحد هذين القرارين، في الحلقة السادس عشرة، ترجع الأحداث الى البداية، وكأنه اعادة لعرض الحلقات الخمس عشرة الأولى ولكن هذه المرة يتخذ الأبطال خيارهم الثاني لنرى إن كانت النتائج ستتغير؟ الحقيقة، إن النتائج تغيرت بنسبة 50%، بمعنى أنه في الحالة الأولى كانت النهاية مأساوية لحكايتين وايجابية للحكايتين الأخريين، أمّا في الحالة الثانية، فالنتيجة نفسها ولكن بشكل متبادل، أي أن الحكاية التي انتهت بصورة ايجابية تحولت الى السلبية، والسلبية تحولت الى الايجابية، حقيقة لم أفهم اختيار المؤلف لهذه المناصفة، وهو أمر لم يرق لي كثيراً، الأمر الثاني الذي لم يرق لي، هو حصر الاختيارات الى اثنين فقط، صحيح أن المؤلف حَبَكَ الأحداث بحيث لم يكن هناك سوى خيارين فقط أمام أبطاله، لكن حتى لو افترضنا أن حصره لعدد الخيارات كان صحيحاً، إلا أن الشيء الذي لم يكن صحيحاً هو مضي أبطال حكاياته بصورة سلبية في تفاصيل اختياراتهم، إذ كانوا في أغلب الأحوال مستقبلين فقط، إذ كانوا ردة فعل ولم يكونوا فعلا أبداً، لكن؛ ما أعجبني وهي تجربة حقيقة فريدة من نوعها، نقل المؤلف لمدرسة التجريب للدراما التلفزيونية، وهو أمر لم تسبقه اليه حتى الدراما المصرية. 
من المعروف أن مدرسة التجريب المسرحي، هي مدرسة للنخبة عادة، لذا نراها في مهرجانات وزارات الثقافة العربية فقط، إذ لا يستمر العرض فيها أكثر من أربعة أيام في أحسن الأحوال، لهذا مأخذي الكبير على هذا العمل، رغم إعجابي بالمحاولة الفريدة من نوعها، إنه امتد لثلاثين حلقة، حتى أنا المهتمة بكتابة الأعمال الدرامية ومراقبتها، اضطررت في كثير من الأحيان الى متابعة الكثير من الحلقات على مضض، ذلك أن التجريب لا يهتم بالأحداث بل بالأفكار، والفكرة يمكن أن تتكشف في مشهد واحد، بل في جملة واحدة على لسان أحد أبطال العمل، لهذا السبب نرى أن المسرح التجريبي لا يستمر عرضه أكثر من ساعة ونصف، بينما في مسلسل (ماذا لو) كان هناك استرسال ممل وطويل في المشاهد ولا حاجة درامية له بل فقط لتعبئة الوقت، كما لم تعرض تلك المشاهد الطويلة الكثيرة أي فكرة فلسفية – وهي أهم مميزات التجريب-، لذا كنت أفضل أن يكون العمل من عشر حلقات فقط، في العادة منصة مثل نت فليكس وشاهد نت وغيرها تعتمد على الأعمال المكونة من ثماني الى اثني عشرة حلقة فقط، ومن الممكن عمل موسم ثاني وثالث للعمل ذاته، لذا كان العمل مملاً بالفعل، حتى بالنسبة للنخبة والمهتمين، لهذا نفهم أنه لم يحقق أي نجاح على المستوى النقدي أو الجماهيري أو النخبوي، بل حتى أنه لم يتعرض للنقد السلبي، وكأنه لا يوجد عمل اسمه (ماذا لو) وهو أمر أسوأ بكثير من النقد السلبي. رغم نقاط الضعف والخطأ الكثيرة في العمل، إلا أنه خطوة جيدة نحو التغيير، أو على الأقل اضافة نوع آخر الى الدراما التلفزيونية. نقل تجربة سوفوكليس الى الدراما التلفزيونية، كانت تحتاج جهدا أكبر من مؤلف العمل، تحتاج الى مزج الفكرة بالأحداث المشوقة، وتحتاج من النقاد التوقف قليلاً أمام هذه التجربة الجديدة. من ايجابيات العمل، الأداء المميز للممثلين، لا سيّما الممثل الاردني منذر ريحانة، والعراقية روان الصايغ، والكويتي خالد أمين، وعلي الحسيني، وصاحب الأداء المميز عبدالله التركماني. كما أن المخرج اعتمد على السيموغرافيا المسرحية ونقلها الى التلفزيون بجدارة، وتميزت كوادر العمل بالإضاءة الخافتة والموسيقى والعمق في تلك الكوادر، لإضفاء أجواء تجريبية بامتياز.