من يعرف الراحل الكريم الدكتور شفيق مهدي الحداد وما صنعه في مجالات التوثيق والتأليف، يشعر أنَّ شفيقاً كان يؤسس لنوعٍ من العمل الوثائقي التفصيلي لمجموعة من الأبواب والتجارب الشعبيَّة العراقيَّة في المثل والحكاية والحرف واللبائن والطيور والمقاهي والمحلات بجهدٍ قل نظيره, ولا يستطيع فردٌ مفردٌ إنجازه وحده إلا إذا كان شفيق مهدي... دون سواه!
كان يعمل من دون منة وينصرف سنوات لعملٍ واحدٍ خالدٍ, ولو كتب (معجم معاني أسماء الحيوان وصفاته وكناه) الذي صدر له عام 2011 لكفاه, لكنه كتب موسوعة المقاهي والأسواق الشعبيَّة ونشر كتاباً عن (الطير في العراق والوطن العربي) سنة 1982, ثم كتب (ألف حكاية وحكاية للأطفال), سبقها ببحثٍ على شكل موسوعة تحت عنوان (الصقريات.. حيوانات عراقيَّة منقرضة ونادرة) وهو عملٌ لم يسبقه إليه من سبقه، إذ أفرد الصقريات النادرة عن سواها في العراق, وجعلك تشعر بأهمية بلدك وثرائه في هذا الصعيد.. وسواه.
لم يكن الدكتور شفيق متخصصاً بالمقاهي والمحلات الشعبيَّة، فهو كاتبٌ مبرز للأطفال ودكتوراه في التاريخ, لكنها الرغبة العارمة في التأصيل والإضافة والإتيان بالجديد الوافر في بابه.
على صعيد صحافة الطفل كان الراحل الكريم قد بدأ حياته العمليَّة محرراً في ثقافة الطفل وكاتباً بارعاً لسيناريوهات حكايات الأطفال حتى صار رئيساً لتحرير مجلتي والمزمار قبيل تقاعده.
ذلك التقاعد الرسمي لم يمنعه العمل متفرغاً في نشاطاته الموسوعيَّة الشعبيَّة وفي مواصلة الكتابة للكائن الجميل الذي أحبه وأخلص إليه طوال حياته.. الطفل العراقي.
تلك كلمة أولى عن رحيل عمود من أعمدة الثقافة الشعبيَّة العراقيَّة وأدب الطفل, ولعلَّ أصدقاء الراحل الكريم يسهمون في صناعة كتاب تذكاري عنه وندوات تقام بحقه.. فهو يستحق كل خير واحترام ودراسة لجهده الوافر الذي تدفق خيراً طوال حياته المبدعة.. رحمه الله.