ثامرالهيمص
بشرتنا وزارة الصناعة انها بصدد اعادة 83 مصنعا للخدمة، وباشر قسم قليل منها العودة الفعلية للعمل والانتاج، هذه الاستفاقة ترسل رسالة واضحة بأن خصخصة الحلقات الاساسية للصناعة لم تعد من اجندة القطاع العام، حيث كان ولا يزال تطويره ضحية الفساد، وهذا ليس سرا. لقد كانت عملية الفصل بين القطاعين الخاص والعام قسرية ولاعتبارات سياسية اولا، والآن تم فرض اقتصاد السوق على اقتصاد رأسمالية الدولة، ولذلك تعطلت الـ 83 مصنعا، كبنية تحتية صناعية، وفي ظل هذا الفراغ الانتاجي، تبلورت سريعا شريحة خدمية لتتغول في الاستيراد فقط، ولتحاصر الانتاج وتعطل الاستثمار في القطاع النفطي من البتروكيمياويات الى الغاز والمصافي، لتشكل برنامجا متكاملا لبيئة طاردة للاستثمار الحقيقي. لم ولن يقود الاقتصاد الوطني في هذه المرحلة قطاع معين بمفرده، اذ كليهما فشلا في اقامة رديف يتكامل، او بديل للاقتصاد الريعي النفطي، الذي عجز تماما ان يخرج من اطاره التقليدي ليؤسس تنمية مستدامة تواكبه. ان الفصل القسري بين القطاعين العام والخاص في التجربتين، رأسمالية الدولة واقتصاد السوق، احدث زلزالا كانت وما زالت ارتداداته واضحة في تراجع الاقتصاد، وجداول الفقر شاهدا، كما ان ابرز الضحايا هو القطاع المختلط، الذي نجح بامتياز في وقته، فاقتصادنا ما زال في اطار رأسمالية الدولة، بشهادة الهيمنة المصرفية، اذ البنوك الحكومية تحتكم على 80 بالمئة من الكتلة النقدية، وهنا يتضح الامر، كيف للـ 20 بالمئة ان تقود وتتحكم ؟ يجيبنا على هذا السؤال، فقط، نافذة بيع العملة وزبائنها .
ولعل ابرز معوقات الاستثمار عمليا، وجود ثغرة بين القطاعين العام والخاص، تتمثل بغياب ما يربط بينهما، لذلك يسهل الانفراد بالمستثمر، فعندما لا يتم الربط بين منتجي الطماطم ومعامل المعجون الحكومية وغيرها، مثلا بموجب عقود بين المنتج والمصنع تصبح الطماطم بأبخس الاسعار، حيث تستوعب وتمتص فائض الانتاج كمعجون وغيرها من المنتجات الثانوية، وكذا الحال بالنسبة لصناعة الزيوت ومزارع الزيتون وعباد الشمس والذرة الحكومية.
لذا يجب ان نحمي الزراعة والصناعة من تغول المستورد والمهرَّب، اضافة الى تعزيز المتابعة من هيئة الاستثمار الكترونيا، فهناك مشاريع لا تتم الا بتدخل سيادي، كما ورد في مقترح مشروع للبحيرات الصناعية في الفاو كما ورد من اتحاد رجال الاعمال، فالتدخل السيادي في هذا المشروع وغيره سيكون حاسما، حيث الامكانات الحكومية التمويلية تكسر حلقات التوسط والابتزاز، خصوصا عندما يكون نجاح معياره الانجاز التام لتقييم المنفذين، لاسيما المدير العام والوزير المختص .
نأمل في هذه الاستفاقة باعادة الـ 83 مصنعا كباكورة لنجاحات صناعية وزراعية وسياحية بعد فشل سياسات، كانت لعهد قريب، تهدد السيادة الاقتصادية من خلال تحجيم التنمية المستدامة بقطاعاتها الثلاثة الزراعة والصناعة والسياحة، من خلال شرذمة مؤسساتهما الموحدة، والتي طالما كان القطاع الخاص يعمل كقطاع مكمل وبديل حقيقي، تحولت في ظل هيمنته منفردا، وللاسف، المعامل الى مخازن للمستورد.