سيرة حياة

ثقافة 2021/03/27
...

حميد المختار 
 

على كراسٍ متحركة هناك أجساد ملائكة صغار تدور في باحة بيت قديم، ثمة أسماك تلبط فوق الكراسي، إنها (أسماك الله) التي أخرجها من بحر الخلق إلى خلق التراب فوق أديم الأرض، ومن هناك ابتدأت مسيرة حياة صعبة ضاجة بالخوف والجوع والحزن والألم، ولكنها تضج أيضا بالأمل والجمال والاصرار على الحياة والتحدي وجعل هذه الحياة صالحة للعيش، (سمكة الله).. هو كتاب سيرة ذاتية بسردية خليطة بشعرية ووجد كتَبَهُ الشاعر العراقي (هادي الشيخ طه)، المُؤَلِّف وثلاثة من أفراد أسرته مصابون بمرض ضمور العضلات فلا يستطيعون استعمال أيديهم أو أرجلهم في قضاء حوائجهم إلا على الكراسي المتحركة..يقول المؤلف "إنّ السمكة لا تمتلك يداً ولا رجلاً بل هي تنزلق بتحريك جسمها وزعانفها لتنساب سريعاً في بطون البحار والأنهار، ولعل المطلع على مراحل حياتي ومعيشتي يعلم جيداً أنني أمضيت سنوات عمري المنصرمة بلا يد أو رجل أعتمد عليها تمام الاعتماد، مما يجعل المقارنة ممكنة".. هذه السمكة العنيدة صنعت حياتها واقترنت بامرأة إعجازية إن جاز هذا التعبير، لأنها أي(زوجة المؤلف) استطاعت أن تسيطر على سمكاتها التي ما تني تلبط بين يديها وهي القادرة على ادارة دفة حياة كاملة، في أسرة عاطلة عن الحركة، لكنها أسرة فاعلة، صانعة لحياة قد لا يستطيع الأشخاص السليمون أن يصنعوا شيئاً شبيهاً بها، في دفتي هذا الكتاب السيرة أحداث ويوميات ومذكرات لطالب علم وشاعر ومؤلف استحضر الماضي وفتح من خلاله آفاقا واسعة خلطت بين الخيال والواقع، وبين الشعر والنثر والقدرة على اجتراح المستحيلات في تحقيق نصر على العجز وعبور على الموانع وكتابة كلمة صارخة على صمت أخرس، واحتضان جذوة أمل متجذر في عمق النفس الانسانية التي أخرجت العجز من قاموسها ووضعت في مكانه الأمل والحب والقدرة على تحدي المستحيل والسباحة عكس التيار ... إنه طريق طويل لا ينتهي وقد باشر المؤلف خطاه الأولى فيه ولم يتوقف ولن يوقفه ضمور أو قصور أو موت قدمين ويدين ... دَرَسَ وتفوق ونال الشهادات العليا وتبعه أولاده على كراسيهم التي حركتها عقولهم ومواهبهم وقدراتهم في ممارسة الفن والعلم والخيال والتقدم بلا تردد أو خوف ... هؤلاء (أسماك الله) لم ترعبهم المسافات في طريق الليل البهيم لأن الفجر مقبل مع حركتهم السريعة باتجاهه ... لم يعودوا ينتظرون انما ذهبوا إلى النور بأقدام الضوء وبيدين مباركتين لأنهما أسرع من أن يدركهما عقل ساذج وفكر بسيط ... المغامرة هنا أن هذه الأسماك الإلهية تركت بحورها وأنهارها ودخلت معترك التراب والاغتراب والاحتراب ونجحت في صنع بحور من الحب ليس فيه غرق إلا متعة السباحة فيه وصولاً إلى جزر أحلام وحياة وأمل، وكان الدرس والعبرة هو "أيها اليائسون بكامل إرادة أطرافكم والميتون قبل موتكم، الحياة أمامكم بكل جمالها وجلالها فلا تتركوها وخوضوا غمارها لتصنعوا أمجادكم وتحققوا آمالكم خدمة للبلد وللذات وللآخر.