رؤية المنهجيَّة التاريخيَّة من خلال الأدب الروائي

ثقافة 2021/03/29
...

 ضحى عبدالرؤوف المل
 
ينتقد المؤرخ العمل الروائي تبعا للأسس التاريخية التي يدرسها ويطبقها في تاريخه للأحداث، ولكن من وجهة نظره كمؤرخ يحقق بالأحداث ويتابعها وفقا لرؤيته الخاصة للبعد التاريخي الذي يريد تسليط الضوء عليه. بينما يبني الروائي عمله التاريخي على الكثير من التفاصيل المتخيلة عن الحدث والتي تنفصل نوعا ما عن الحقيقة التاريخية من خلال حوارات الشخوص والقدرة على بناء الحدث، مثل رواية زرايب العبيد للروائية الليبية نجوى بن شتوان، التي استطاعت منح روايتها تاريخا نابعا من رصد للكثير من الاحداث في الكتب التاريخية، وبنهج التزمت به تاريخيا من خلال قوة المحاكاة والتعامل مع الزمن بمقدرة أدبية حرفية من دون أن يتخلخل البناء التاريخي. 
فهل يشكك المؤرخ بالأدب الروائي التاريخي؟، وهل من أدب روائي تاريخي متخيل ينتزع من الزمن الحقائق ويحولها إلى فانتازيا لا تنتمي إلى التاريخ الحقيقي إلا من خلال القواعد الاساسية لبعض البنود التاريخية؟، وهل تراعي الرواية المعاصرة خصوصية المنهجية التاريخية؟.
إن فهم الماضي من خلال الادب الروائي او حتى فهم الحاضر لا يتعلق بالأسلوب، وإنما يرتبط 
برؤية المنهجية التاريخية من خلال الأدب الروائي الذي يصنع بها الادب التاريخ، فيلتقط مقتطفات من الاحداث، ويبني من خلالها الشخوص غير الاساسيين، مركزا على الشخصيات الاساسية بعد تفكيكها، ووضعها تحت المجهر التحليلي. 
لتكون في مكانها ضمن الحلقة التاريخية ومنهجيتها، وبتطوير حدسي يعيد من خلاله الموتى الى الحياة، لتشكيل الموقف الذي أدى الى صنع هذا التاريخ الذي يتناوله في روايته مثل روايات جرجي زيدان والكثير من الروايات الأخرى التي نجحت نجاحا كبيرا في تناولها التاريخ، بغض النظر عن العيوب في البعض الاخر من الروايات واشكالية دخولها الى التاريخ. فما زلنا نقرأ الكثير من التفاصيل الغارقة بأحداث الماضي، والمثقلة بالكثير من التفاصيل التي لم يتطرق لها التاريخ مثل رواية "عروس الخضر" للروائي اللبناني "الياس العطروني" والتي تتحدث عن حرب الشوارع او تلك الحرب التي تسببت بالكثير من الويلات في الاحياء والازقة، وكما في روايات "توفيق يوسف عواد"، فهل رواية سلطانة القاهرة للكاتبة "ديما الدروبي" هي اعادة احياء مرحلة شجرة الدر وفق فنتازيا حكمها؟، أم انها جنحت بالحوارات بين الشخصيات بعيداً عن الاسس التاريخية؟، وهل تخطت الحدود بين التاريخ والخيال؟، ومتى يفتقد الروائي المنهجية التاريخية؟.
إن معرفة نوعية التاريخ الذي تتناوله الروايات هي فهم للخطاب التاريخي، والأحرى ما تم تسليط الضوء عليه، كما في رواية "ترتر" للروائي نزار عبد الستار التي أعادتنا الى مرحلة مهمة من تاريخ العراق، وبجزئية منحت القدرة على اعادة النظر في الكثير من الاحداث المروية في كتب المؤرخين. 
فالرواية مبنية تبعا لعدة اشكاليات آتى الحكم عليها من خلال المعرفة التاريخية وواقعها الزمني، وبسرد موثق، وان استند الى المتخيل التاريخي من خلال ترتر او المرأة المزدوجة الشخصية المرسلة الى الموصل. 
فالتنافس بين الادب التاريخي وبين المؤرخين هو التحقيق بين المعنى التاريخي المتخيل وابعاده لفهم ما ورائيات الحدث بعد مرور الوقت، وبين المعنى الاساسي للتاريخ الذي يهتم بالزمن والمكان أكثر من الشخوص وافعالها بعيداً عن ممارسة الذكريات، لكونها حاضرا مسرودا كروايات الحرب اللبنانية التي تشكلت من الرؤى بصيغ تاريخية جاءت بتمثيل فعال لإحياء التاريخ وفهمه من وجهة نظر روائية. فهل تحل الرواية محل كتب التاريخ من حيث قدرتها على تفصيل الحدث وتفسيره ليصبح الشخوص هم الشهود على ذلك؟، وهل من نسخ للتاريخ في الرواية المعاصرة؟.