يستخدم الناتج المحلي الإجمالي لقياس التقدم الاقتصادي للدول على مدى سنوات مضت ولا يزال كذلك، لكن هل حان وقت لتبني بديل عنه؟.
الأقاويل الداعمة إلى أن الناتج المحلي الإجمالي عبارة عن رقم خيالي لا يعبّر عن الوضع الحقيقي للتقدم الاقتصادي أو الرفاهية، باتت أكثر انتشاراً بشكل متزايد؛ ما أثار تساؤلات حول البدائل الإحصائية المتاحة، وما هي العيوب الكامنة في الـ"جي دي بي" كما يطلق عليه لرصد أداء الدول اقتصادياً؟.
أسهم منتدى الاقتصاد العالمي "دافوس" للعام الحالي في تصعيد نغمة أن الناتج المحلي الإجمالي والرفاهية من بين المسائل الشائكة كونهما مفهومين مختلفين للغاية لكن بطريقة أو بأخرى يتم الخلط بينهما.
ويقوم مؤشر الناتج المحلي الإجمالي بحساب قيمة جميع السلع والخدمات المنتجة داخل دولة ما وذلك بعملتها المحلية خلال فترة زمنية معينة.
ومع فشل الناتج المحلي الإجمالي في احتساب العوامل البيئية الخارجية أو الخدمات غير السوقية مثل العمل في المنزل، فإن فكرة عدم كفاءة الـ"جي دي بي" في قياس الرفاهية الاقتصادية أصبحت أكثر جاذبية.
ويعود أصل الحكاية إلى فترة الستينيات، ما يعني أن هذا الاتجاه ليس حديثاً، لكن الفارق في الوقت الحالي يكمن في أن المضي قدماً في هذا المسار تزايد بشكل مُلح من أجل اتخاذ خطوات فعلية إزاء تغيير هذا الوضع.
وبحسب "ساكسو بنك" الاستثماري، فإن تقريره السنوي الذي صدر أواخر العام الماضي عن ما أسماه بالتوقعات المستبعدة والخطيرة لعام 2019 تطرق إلى أنه سيتم التوقف عن استخدام الناتج المحلي الإجمالي لرصد التقدم الاقتصادي في ذاك العام والتركيز على الإنتاجية بدلاً منه.
ومن حيث الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، لا تزال الولايات المتحدة صاحبة الاقتصاد الأكبر عالمياً بـ19.4 تريليون دولار، ما يُشكل نحو 24.4 % من الاقتصاد العالمي البالغ حجمه 80 تريليون دولار في عام 2017.
ومن المحتمل أن يكون من الصعب قياس مدى السعادة لكن أحد التقارير التي تحاول القيام بذلك تضع فنلندا في صدارة الدول على الصعيد العالمي في نسختها الصادرة أوائل العام الماضي في حين تحل الولايات المتحدة بالمرتبة رقم 18.
ورغم أن الناتج المحلي الإجمالي لا يزال هو الطريقة المستخدمة لقياس مدى تطور الاقتصاد حتى الآن إلا أن معظم السياسيين يريدون زيادة رفاهية شعوبهم وليس تعزيز الـ"جي دي بي"، كما ترى جاسيندا أرديرن رئيسة وزراء نيوزيلندا.
وتضيف أرديرن أننا بحاجة لمعالجة الرفاهية الاجتماعية لبلادنا وليس فقط الرفاهية الاقتصادية قائلة إن الناتج المحلي الإجمالي سيظل مؤشر ساري المفعول لكن يجب أن تكون هناك مقارنات أخرى مع الإشارة إلى المؤشر المستخدم من جانب منظمة التنمية الاقتصادية والتعاون؛ لكن مع ذلك فإن التحدي اليوم يتجاوز المؤشرات، كما يوضح أنجيل جوريا السكرتير العام للمنظمة.
ويقول الاقتصادي بمعهد التكنولوجيا في ماساتشوستس إيريك برينجولفسون إننا يجب أن ننتقل إلى مقياس أفضل.
وطرح برينجولفسون نهجاً جديداً لرصد التقدم الاقتصادي وهو الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى المزايا، حيث يمكن أن يوفر طريقة لتقييم أشياء مثل ويكيبيديا، والتي تُعد خدمة مجانية لكنها تقدم فوائد واضحة.
بينما تشير الاقتصادية الإيطالية ماريانا مازوكاتو إلى أن غالبية نمو الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة كان يقوده الاستهلاك والذي غالباً يكون قائماً على الديون وقد يدفعنا تجاه أزمة مالية.
ويوجد نقص في الاهتمام بالفرق بين السعر والقيمة، حيث يحسب الناتج المحلي الإجمالي زيادة الأسعار لكنه يتجاهل الأخذ بالقيمة الاجتماعية في الاعتبار، وفقاً لـ"مازوكاتو".
وتناقش أستاذة الاقتصاد بجامعة لندن ماريانا مازاتوكاتو التمييز بين القطاعات المنتجة وغير المنتجة ومدى فرضية أن يؤدي ذلك إلى مقياس أكثر نجاحاً.
وفي الوقت نفسه، يؤكد رئيس وزراء ولاية ماديا براديش الهندية "كمال نات" أن الناتج المحلي الإجمالي شخصية خيالية كما يمكن أن يكون في بعض الأحيان مضللاً وأن النمو الاقتصادي يجب أن يترجم إلى رفاهية الأفراد.
ومع ذلك، من الصعب التخلي عن الناتج المحلي الإجمالي كمؤشر للتقدم الاقتصادي حتى يكون هناك إجماع كاف حول البديل مع حقيقة أن وجود الكثير من الجدل الجاري في الوقت الحالي بشأن هذه المسألة أحد الأمور المشجعة.
وبحسب تقرير نشره منتدى الاقتصاد العالمي في هذا الشأن قبل عام، فإن هناك مؤشرات بديلة سائدة مثل مؤشر التنمية البشرية ومؤشر انتشار لوحات المعلومات.
لكن هذه المؤشرات لن تصبح سائدة كونها تفتقر إلى الأرضية التي يمتلكها الناتج المحلي الإجمالي في النظرية الاقتصادية.
وكان كبير الاقتصاديين في مكتب أستراليا للملكية الفكرية "بنجامين ميترا كان" قد اقترح نهجاً مختلفاً تماماً لقياس التقدم الاقتصادي، وهو أساس يستند إلى فهم مختلف للرعاية الاجتماعية. وفي تقرير نشره موقع "ذا تايم" تحت عنوان "لماذا يعد الناتج المحلي الإجمالي بمثابة مقياس سيئ للثروة والنجاح؟"، يرى الكاتب أن أحد الأخطاء الرئيسة في الـ"جي دي بي" هي أنه يتعامل مع المتوسطات والتي لا تقدم الكثير على الإطلاق والإجمالي الذي يخفي الفروقات الدقيقة في عدم المساواة.
وحتى "سيمون كوزنتس" الخبير الاقتصادي البيلاروسي الذي شارك في استحداث مفهوم الناتج المحلي الإجمالي عملياً كان لديه شكوك حول المؤشر، حيث لم يكن مؤيداً لحقيقة أنه يحسب الأسلحة والمضاربة المالية كنواتج إيجابية، طبقاً للتقرير.
وقال كوزنتس إنه لا ينبغي أبداً الخلط بين الناتج المحلي الإجمالي والرفاهية، لكن هذا التحذير تم تجاهله.
وفي مقالة نشرها موقع "فوربس" تحت عنوان "لماذا يجب تجاهل نمو الناتج المحلي الإجمالي"، يشير الكاتب إلى أن هذا المؤشر كان ناجحاً في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، لكن المشكلة تكمن في أن اقتصاد اليوم شهد تغييرات، بل ويتجاهل الابتكار.