أزياء المرأة عتبة فنيَّة

ثقافة 2021/03/30
...

ناجح المعموري 
عندما تحدى الانسان البدئي الطبيعة ولم يستسلم لها ابتدأت لحظة نشوء الاصول المبكرة في تاريخ الفن، واعني بها الحضارة الانسانية، لان العلامات الدالة على عتبات بدئية التحضر هو الفن، إذ ذهب الانسان نحو الطبيعة من أجل الاعلان عن إمكاناته، ليس في التعايش مع مكانه، وانما تطويعه، والتمكن من القوى التي فيها، والسيطرة عليها. 
أشار الفنان حسن سليمان الى لحظة اكتشاف الانسان للفن، هي أهم اللحظات المعلنة عن تطوره البيولوجي، إذ ارتفع بعقله الى مستوى أعلى. وبميلاد الفن في منطقتنا وقبل غيره من المناطق وليست الحضارة. وابتدأ فيها الانسان الاستقرار وخلق وحاول الوصول الى مرتبة الابداع.
أستطيع الاشارة الى أن أهم تمركزات الابداع في الحضارة السومرية هي الازياء، لسبب مهم. سجلته دراسات تاريخ الفن في الشرق القديم. ولذا يمكننا التأكيد على دور المرأة أولاً في ابتكار عدة طرق لانتاج الوسائل المساعدة لها في وضع حجابات الجسد والازياء، خصوصاً في الفترة التي زاولت فيها طقوس الزواج المقدس وتعرفت على كل جزء من جسدها مركز للإثارة وتحفيز اللذة لدى 
الرجل. 
ومن هنا نشأت لحظة الزي واختيار الالوان التي جعلت المرأة رمزاً لونياً دالاً على الطبيعة. وهذا التطور يلزم الاشارة الى ان شيوع اللون في ازياء المرأة، حضور وسيادة الكيمياء الدالة على تحقق التطور العلمي الذي منح المرأة فرصاً لتضع الكحول والعقول والالوان. 
وعندما نتحدث عن عتبة الفن الاولى، واعني بها الازياء لا نتجاهل تشعبات الفنون التي حفظتها الاختام والدلايات وعلى الخزف بوصفه التجربة الفنية المهمة، التي استمدت تجوهراتها من الزراعة والعلاقة مع الارض، التي حازت صفتها المجازية والرمزية الدالة على الإلهة الأم. وكان للزراعة وتطوراتها انعكاس واضح على تحولات الزي وتطوراته، بعد التعرف على دور الصوف وآليَّة الغزل والحياكة التي تزاحم فيها الرجل والمرأة لاول مرة في التاريخ، واعتقد بأن مزاولة الزراعة والحياكة من قبله هي الصفة غير الحميدة التي اطلقتها الجماعة، لان العملين من خصائص الأم الكبرى. هذه التطورات ولحظاتها الاولى، سجلتها الذاكرة عبر وسائط فنية اكدت على امتدادها الى بلدان الشرق القديم، وحصل تبادل تدريجي، فني، ثقافي بين تنوعات التجارب وتعدداتها الحضارية. لقد اشارت د.زينب البحراني الى ان الازياء هي المرحلة الجوهرية المتميزة فنياً في تاريخ الفنون وذكرت دراسة مهمة للبحراني عن "نساء بابل" وقالت:إن الازياء لها تأثير ثقافي في التعامل مع الجسد وتغيرت الآراء حوله بوصفه "الجسد" ظاهرة ايجابية. واشارت د.زينب البحراني: ينبغي النظر الى صورة الجسد في التمثيلات البصرية، ايضا بوصفها انتاجا لوقائع مجنسنه، لا بوصفها انعكاساً لتلك الوقائع في الفن. ومن ثمفالجسد في الفن هو رمز متعدد القوى، كل مركب من المعاني التي يسميها نيكوس مشهد الجسد. مع ذلك لا ينبغي فصل الجسد بوصفه صورة عن المجتمع. وعودة لأهمية الازياء ودورها الجمالي على المرأة وجسدها، يتمظهر لنا الجسد قوياً وقادراً على التعايش ليس وسط الأسرة، بل يزاول وظائفه في الاماكن المقدسة، وهي الطقوس الدينية، مضافاً لها الجنس المقدس، ولا يمكن للدراسات الفنية الحديثة اغفال ما يوفره المجال البصري، لأنه لا يتجزأ من التبدّي الرمزي. والذي يشكل حضوراً بالغ الاهمية في صورة الجسد المادية والجسد في 
الفن.
أكدت د.زينب البحراني الى ان الصورة جزء من الثقافة بين بلاد النهرين بوصفها شكلاً من الفن الشعبي الذي لا ينتمي الى اي طبقة، لانه متوفر للجميع. فقد يبدو الطين مادة تافهة ذات قيمة بخسة مقارنة بالصروح الحجرية والتماثيل البرونزية المفضلة لدى عِلية القوم والرعاة الملكيين، لكنه يتمتع بخاصيات فريدة لا ينبغي أن يستخف بها.