بتأمل بسيط في قول أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) “أن الرزق رزقان: رزق تطلبه، ورزق يطلبك” تعرف ان أحدهما مكتوب ومتيسر لك كيفما كان أمرك، والآخر مشروط بالسعي اليه وتحصيله.
هذا الأمر لا يختص بالفرد فقط وإنما بالمجتمعات أيضا، فهناك ثروات طبيعية متوفرة في بقعة او بلد ما ليس لها دخل بتكوينها، بل مشيئة السماء هي من قررت ذلك، بينما هناك كنوز طبيعية او صناعية بحاجة الى من ينقب عنها ويكشف عنها اللثام او يتوصل الى تصنيعها بجهوده الذاتية.
من هنا وفي الوقت الذي خلدت فيه أغلب الدول العربية ومنها العراق الى استنزاف ثرواتها الطبيعية مثل النفط واعتمدت عليه بشكل كلي، سعت اكثر دول العالم الى الاعتماد على الصناعة وابتكار العديد من الطرق للحصول على المال، مثل المانيا التي استطاعت تحقيق ربح سنوي يصل الى 100 مليار دولار، من القمامة، نعم من القمامة فقط عبر اعتمادها طريقتين لتحقيق هذا الرقم الكبير من الأرباح، تمثلت الأولى بإعادة تدويرها للحصول على مواد أولية يمكن الاستفادة منها في الصناعات المختلفة لاحقا، والثانية من خلال حرقها للحصول على الطاقة عبر وسائل وتقنيات عديدة تم تطويرها للوصول إلى أفضل النتائج في هذا المجال.
وتجني الشركات الألمانية أرباحاً هائلة من إعادة تدوير هذه النفايات، ما جعلها تستوردها من إيطاليا وقدمت عرضا مماثلا للدنمارك والسويد، لشرائها أيضا، الامر الذي دفع الحكومة الالمانية الى توفير دعم وتشجيع كبيرين لهذه الصناعة ذات الفوائد الاقتصادية والبيئية، لذلك فرضت على مواطنيها القيام بفصل القمامة المنزلية من خلال وضع 4 حاويات في كل منزل، واحدة للكرتون والمواد الورقية التي تتم معالجتها وطحنها لتصنيع مختلف أنواع المناديل الورقية، وثانية لبقايا الطعام التي تدور الى أسمدة زراعية، وثالثة للمواد البلاستيكية للحصول على مادة البلاستيك الخام، وأخيرة للزجاج المكسور، بينما يتم رمي الأدوات الكهربائية في حاوية خاصة لتتم معالجتها للحصول على مواد أولية تستخدم مجددا في الصناعة.
وبفضل هذه الاجراءات تتوزع في المانيا اليوم أكثر من 100 مصنع للاستفادة من النفايات، حتى وصل سعر الطن الواحد منها الى 100 يورو، وهو في تصاعد بحسب نوعها وجودتها. الأمر المحير اننا ما زلنا بالرغم من كل هذه التجارب الناجحة وسياسيينا الذين كان اغلبهم مستقرا في الدول التي قطعت شوطا كبيرا في هذا المجال، نعتمد على الرزق الذي يطلبنا، بينما نحن في شلل تام للسعي الى نيل كل هذه الكنوز المحيطة بنا والرزق الذي يجب ان نطلبه بالسعي اليه، خاصة ان بلدنا وبلا فخر يعد من أكثر الدول انتاجا للنفايات المختلفة والتي يمكن لها تشغيل مئات المصانع وتوفير الآلاف من فرص العمل !. فهل من مستجيب لهذه الدعوة؟، سواء كان من المؤسسات الحكومية أو من شركات القطاع الخاص؟، وهل من ساع للكشف عن كنز النفايات المهمل وغيره من الكنوز التي يرفل بها بلدنا الحبيب؟.