الفضاء الدرامي في رواية (خلو)

ثقافة 2021/03/31
...

 باسم عبد الحميد حمودي
يبدو الفضاء الدرامي في رواية (خلو) للروائي طه حامد الشبيب مكتظا بتفاصيل متعددة يختلط فيها الحاضر المشار اليه بالداخل الدرامي للمادة المروية.
بمعنى آخر نجد أن الروائي قد ماهى داخل عمله الجديد هذا بين الرؤية المصنوعة المبنية على الخيال الخصب الذي تتمتع به خبرته، وبين الواقع الذي لا يكون واقعا فاعلا مباشرا، بل واقع مصنوع من رزمة احداث تتماهى مع ما يمكن ان يحدث.
كل هذا الفضاء تتحرك داخله الشخوص البسيطة والمركبة التي تتصارع وتتضاد وتتفق داخل جسم الرواية التي تبدأ بمشهد مقتل حامد الديو (الشخصية الرئيسة) بيد مجهولين، وهو يتحرك قريبا من داره بعد أن أعطى المعتاد اليومي الى نوفل طفل الجيران وهو كيس من الحامض حلو اشتراه من البائع المقابل لمقهى جمعة الذي اعتاد الجلوس فيه.
يخبر نوفل المحزون المرعوب شقيقه راوي الرواية ما حدث أمامه عندما سقط (حامد الديو) أمامه، إذ يبدأ الشقيق (وهو كاتب الرواية) كتابة التفاصيل حتى النهاية التي نعدها فلاش باك متكاملا لتجسيد بقية الأحداث. 
رواية (خلو) مكتظة الأحداث والشخوص والتفاصيل التي تبنى إجرائيا على حياة (حامد الديو) الذي يطوق تفاصيل الرواية بمجساته كقائد لحركة منتفضة وجندي – بداية – في حلبة الصراع غير الاخوي بين الدولتين الجارتين، والطالع الى طبقة من السماء مع واحد من مقاتلي الجيران الذي صاحبه وصار شقيق روحه، ذلك أن مثل حامد، لم يكن يملك قرار الحرب ولا السلام.
الفضاء الروائي محتشد بالشخصيات الواضحة مثل حامد وشقيق روحه ونشمية المحرضة على الحراك الشعبي والعروسين و (ابو الهدى) الشيخ الراوي للأحداث الذي يساعد المؤلف في تحريك المشاهد، والمؤلف الذي يروي صراحة من دون مواربة ويقول: (وبوسعي أنا أن أدلي بدلوي)، ويبدأ برواية تفاصيل الصدام بين الكائنات السود ذات الخراطيم المجوفة السحرية بالتعاون مع الكائنات الكبيرة حاسرة الرؤوس ضد منتفضي الهياج الأكبر في الساحات.
تراب الساحة يعمل هنا بطلا مشخصا للأحداث، إذ تبتعد الكائنات السود والكائنات الحاملة لأنابيب السموم عن أجساد المنتفضين المعفرة بتراب الساحة، الذي صار مهما وحيويا ويعمل كستارٍ حامٍ بعد اختفاء النسوة لاعبات الموسيقى مع عروس حاتم بعد تصفيتهن من دون علم أحد عدا الراوي العليم.
لم يكن الراوي العليم داخل الرواية صوتا واحدا بل عدة اصوات يحركها المؤلف، ومنها صوت حامد الذي لا يظهر دوما، وصوت نوفل الذي ابتدأ الرواية بالبكاء على مقتل حامد أمامه، وصوت الراوي الناشر، وصوت الشيخ ابو الهدى في شهادته، وصوت الشيخ ابن المحلة، وصوت أم الخير نشمية.
كل هذه الأصوات التي صنعت جدلية الموت والحياة في رواية (خلو) تتعاون في بناء الصورة الدرامية المتكاملة لهذه الرواية التي ستثير جدلا فكريا وأسلوبيا وفكريا، ذلك أنها تخلط أوراق اللعبة الدرامية وتفككها بصور متعددة، منتزعة من التاريخ الحي القريب ومن الواقع الحياتي، خالطة ذلك بمجموعة من الشخوص السحرية التي تدخل ساحة الاشتباك الدرامي بأشكال متعددة الرؤوس والانابيب والملابس السود، من دون أن نعثر في النهاية على قتلة الشخصية الرئيسة حامد الديو.ولعل في عدم التصريح بأسماء القاتل/ القتلة لم يعد مهما مادامت ساحة الرواية الدرامية مشحونة بالصراعات الدامية بين قوى الظلام وقوى الخير التي كان (حامد الديو) - حامد الأسد، واحدا منهم.