شيزوفرينيا الكتابة

ثقافة 2021/03/31
...

  حبيب السامر
يتفاوت أداء المثقف ودوره من خلال صياغة وبلورة المفاهيم الجديدة، وتكامل الفكرة والنظرة في إيجاد أساليب متعددة، لإيضاح هذه الرؤية من خلال المنجز، يحدث هذا بفعل دراسة المسائل الثقافية وتعددها وكشف العوائق التي تنتج عدم التعاطي بمنهجية واضحة، وتقصير في استخدام أساليبها، والاضطراب النفسي، وضرورة الاحساس بوعي الوجود وتعدد ثقافاته ومجتمعاته.
هناك بعض أمراض تستشري في المجتمع، وتعمل على تقويض الثقافة فيه، والسعي الى تعطيل ماكنته المتحركة، عكس أن تكون حافزا معياريا للإبداع والفكر.. تأتي هذه المحاولات من خلال اعتماد التحولات الثقافية من دون تأزيم، وهنا تعطي ثمارها وتؤشر الى اعتماد التحول القيمي بموجب مناخات الاحتكاك الثقافي، وعدها منبرا ورافدا معرفيا وفق بنية متجانسة معتمدة على التنوع الثقافي، ودراسة العلل الثقافية وتخلفها المتأتي من وراثة تنخر جسد الحياة، وزراعة بذور التخلف والخوف وخلق حواجز عالية الجودة بين مثقف وآخر، مما يعطل نواة اشعاعات العقل، ويرسب القبلية وشيوع الأنا المزعجة، والتحكم بأساليب تنضيج الرؤية الحقيقية المترسخة على انتاج ثقافة تشتغل على تطهير الافكار المترسبة والمترسخة مما يؤدي الى تشويش النظر في مجال ضيق.
عادة، تتباين ثقافات العالم وفق بيئتها، ومصادر هويتها، وتلَقي الثقافات المحيطة بها، باعتمادها على صيغة واسعة من التبادل بينها، وسلك طريق الانتشار بين الثقافات المتعددة على الرغم من أن لكل ثقافة دالتها المميزة وبصمتها الخاصة لكنها قابلة على التلاقح فيما بينها كون- الثقافة- تتمتع بصيغة العموم والشمولية، وتعتمد ظاهرة الاكتساب المباشر وغير المباشر والوصول الى العوالم المدفونة وغير الواضحة من خلال تبادل الاخبار والجهود الكبيرة التي تعتمد العقل مصدرا مهما في الكشف والتنقيب، وتأتي هذه الحقائق من خلال تجديد القراءة وتحصين الذات من عوالقها واعتماد التقنيات الحديثة للبحث والتنقيب والافادة من دررها كون الثقافة ارتبطت بالإنتاج والمعرفة وميادينهما المختلفة.
قد نجد بعض الرواسب الذهنية المتعلقة بالتأثر بالقراءات الأولى وعدم فتح الأبواب على مغاليق الحياة وتنوعاتها والتعددية في مكتبات البعض وتجعلهم في حيز الانغلاق من دون الانفتاح على تجارب حياتية وقراءات أخرى تعضد وتحصن المثقف من الانزلاق إلى تحجيم العقل بقراءة واحدة وفهم لا تخترقه المعلوماتية الحديثة وتطورها في فهم الحياة من جوانب متعددة، ومن جانب آخر هو اشاعة سلوكيات جامدة ونشر افكارها في ضوء النفوس المشبعة بالغل والحسد والامور الجامدة التي تعيق تطور النظرة المنفتحة التي تحاول أن تنفتح على زوايا المجتمع بشكل أكبر، وهناك عقدة أكبر تتمثل بالتمسك بالرأي وتستشري أكثر بإحاطتها بالأمثال القديمة التي تبعث اليأس وعدم تكرار المحاولة وتجعل الانسان أسير النزعة المسيطرة عليه من دون فسح المجال أمام العقل وتنويراته لتبديد الخوف والاشتغال على توالد الثقافات الحية المتجددة والحرص على نقد مكامن الفشل والتراجع من خلال التحلي بالصبر واحترام الزمن والنزول قليلا من الابراج المتعالية لبعض مثقفينا وترك المتناقضات والأمراض جانبا والانتباه الى الحياة بشروقها وغروبها الجميلين، أتساءل هنا لماذا هذه الشيزوفرينيا التي نجدها عند البعض؟، نأمل أن نستعيد الوجه المشرق وفتح النوافذ للطاقات الايجابية لنمنح الحياة أفقا جديدا.. ونزرع حدائقها بحياة ثقافية أجمل.