النقد الإقصائي

ثقافة 2021/03/31
...

د. أحمد الزبيدي 
 
لو قرأنا المدونة الثقافية العربية بآليات محمد عابد الجابري، أيمكن أن نجد بها نسقا منهجيا محددًا في ثقافتنا يعكس الرؤية الفكرية وآلية تكوينها ؟ ترى ما الذي سيدور في ذهننا لو تصفّحنا كتاب ( مجْمع الأمثال ) للميداني؟ 
و (هو قصارى فصاحة العرب وجوامع كلمها ونوادر حكمها وبيضة منطقها وزبدة حوارها وبلاغتها)، سنرى كيف أفْرد الميداني  للأمثال التي جاءت على صيغة ( أفْعَل ) بابا في كل  حرف  هجائي  اعتمده تسلسلًا لمعجمه، ولِمَ تكاثرت الأمثال على هذه الصيغة؟ ولمَ طفحت الكتب النقدية بالمفاضلة المعيارية، سواء على المستوى الجمعي (الطبقات) أو الفردي: فهذا أهجا بيت قالته العرب وهذا أفخر وهذا أغزله، وفي الدين ننجد أن الثيمة الأكثر حضورا في الصراع على الخلافة هي 
(المفاضلة!).
 من هنا نفهم أن الثقافة  العربية القديمة ذات مركزية معيارية تقوم على المفاضلة، التي جاءت نتيجة عوامل متسلسلة متناغمة ومترابطة؛ فلو قلنا بالبعد الاجتماعي ذهبنا إلى النسق القبلي وهو يقودنا إلى الفحولة المبنية على (الفصاحة)، التي تتمظهر بالقدرة (الشفاهية) على التعبير والتأثير، فالمنهج التفاضلي هو منهج معياري مركزي نابع من طبيعة الثقافة العربية بمختلف أصنافها وفروعها واتجاهاتها،  ومؤسّس للنقد الإقصائي ولو تعمقنا أكثر، لوجدنا أن هذه الثقافة هي إلغاء (للآخر) المختلف أكثر مما هي اعتراف بحضوره ووجوده، ومن هذا المنطلق فالهيمنة الفردية لا تسمح بالتعددية، ولكن هل تنطبق تلك المنهجية التفاضلية الفردية على الثقافة العربية المعاصرة؟ أو هل يمكن أن نصفها بـ(الحديثة)؟
وهي التي التفتت إلى (الآخر)، بوصفها فلسفة أو رؤية- أعني الحداثة - تقوم على احترام الآخر والتعددية والفردانية الإنسانية والمرجعية العقلية، هل أصبحت الثقافة العربية تحترم الآخر أو شكلت تصورا فكريًّا له؟ أعتقد أن ثقافة عربية مازالت تنتجها السلطة الدينية بمرجعيات قبلية وإيديولوجيات متطرفة، لا يمكن أن تخلق تصورًا إيجابيا للتعددية الثقافية.
 وإن كانت ثمة مشاريع عربية تصدح ليل نهار عن التحديث الثقافي، فهي مشاريع فردية ومحكوم عليها بصفة المعارضة أي (الإلغاء) لأنها خطرة على (حرمة) مقدسات الثوابت المعرفية وهدم للقيم الفردية التي انتجها ( العقل الفاضل ).
وبالتالي فإلى اليوم نحن نكرر نشيدنا الثقافي: أفضلية السابق على اللاحق.. أفضلية الذات على المنتمي إليها وعدوانية الآخر المختلف عنها ومن هنا فإن منهجية المفاضلة ما زالت هي من تحيي الذات وتميت الآخر.