في المعتقد الشعبي

فلكلور 2021/04/01
...

باسم عبد الحميد حمودي
تعايش الإنسان منذ آلاف السنين وسط مجموعة متوارثة من المعتقدات الاجتماعيَّة التي لها علاقة لها بتطور البيئة الاجتماعيَّة وقبولها للسكون أو التغيير.
والمجتمع السكوني – كما يطلق عليه علماء الاجتماع – هو المجتمع المحافظ على عاداته وتقاليده وأحلامه وأفكاره, ومن الصعوبة كسر هذه المسلمات وتغييرها.
ومجتمع التغيير هو المجتمع الذي يتقبل التجديد ويدعم التجارب الاجتماعية الجديدة في الملبس والمأكل والتصرف الاجتماعي.
وإذا كان العالم اليوم يتقارب مع بعضه بفعل وجود أجهزة الاتصال المتطورة, وحصول الفرد المتعلم ببساطة على جهاز اتصال يتيح له الاطلاع على ما يريد من أخبار وتطورات في المجتمعات الأخرى, فإنَّ توصيف (السكون لم يعد ملائماً للمجتمعات التي تمتلك وسائل الإعلام الحديثة, ولم يعد العالم مجتمعاً سكونياً تماماً.
إننا نتحدث هنا عن المجتمعات المتقاربة بوجهٍ عام, ولا أقول المجتمعات الحضاريَّة المتشابهة, فالبيئات الغربيَّة عموماً بيئات قابلة للتجديد وتقبل (الصرعات) الحديثة, والمجتمعات الشرقيَّة- عدا القطاعات المتأثرة بالنمط الفكري الغربي – لا تزال تعاني صعوبة التجديد العارمة محالة الحفاظ على قيمها الأساسيَّة.
إننا هنا ينبغي أنْ نفصل بين هذين المجتمعين المتحضرين- ولكل واحد منهما شروطه البيئيَّة والحضاريَّة- وبين العالم الآخر..عالم البغمي والأيركوانتان المناليزي, ومجتمع القوارب القريب من جزيرة تسمانيا, ومجتمع الزولو الأفريقي المغلق, فضلاً عن المجتمعات الدينيَّة الصغيرة في عموم القارات.. وغيرها.
إنهما عالمان متباعدان لكنهما يمتلكان شروط حيواتهم ومعتقداتهم وأفكارهم ومنها ما يتعلق بالتفاؤل والتطير.
ومثلما تخشى المرأة الريفية عندنا من عدِّ عدد أولادها من قبل الغير والتدقيق من سواها في الأعمار وسنوات الولادة فإنَّ قبيلتي- سولوكي وبانجالي المتواجدتين في أعالي نهر الكونغو تخاف سؤالاً مثل هذا, فإذا سأل أحدهم (هناك) الفرد عن عدد الأولاد أجابه ببساطة: لست أدري!
لكنَّ بعض الرجال والنساء في الكثير من تخوم العالم يتباهون بذكر الأسماء والأعداد والمهن لكل ولد.
وقد حرص النبي يعقوب على دخول أولاده الأحد عشر الى مصر من أبوابٍ متفرقة وهم يريدون الوصول الى (يوسف) أخيهم وعزيز مصر أيام الجوع ذات السنوات السبع كما يقول الذكر الحكيم خشية الحسد.
وكان من عادة فلاحينا ذوي البساتين ألا يحسبوا عدد أشجارهم المثمرة ونخيلهم خوفاً من حسد أنفسهم والآخرين لها, كما كان من عادة الكسبة في بغداد قديماً –وفي سواها من المدن العراقيَّة- ألا يحسبوا كيس نقودهم عند العودة الى الدار إلا لضرورة وألا يسمحوا لغيرهم بفعل ذلك. (أقرب لا ترد الفال) مطلع أغنية وهو مثل معروف, يقوله من جلس لتناول طعامه وزاره ضيف على غير موعد فيطلب منه مشاركته طعامه من دون أنْ يخرق فأله الحسن. 
و كانت العرب قديماً تسافر فرادى وجماعات, والمسافر يردد:
اللهم لا خير إلا خيرك
ولا طير إلا طيرك
ولا إله غيرك
وهم بهذا الدعاء الجميل يأملون الخير في هذه الرحلة, وينشدون حركة الطير الذي يتحرك في السماء لحظة التحرك, فإذا تحرك من اليمين كان ذلك السعد والخير, وإذا تحرك الطير من اليسار أبطل المسافر رحلته خوفاً.. وكل ذلك محض خرافة لا يستند الى واقع.
وكان المسافر بالسيارة أو على راحلة أخرى في مدن وريف الجنوب العراقي, إذا صادف أثناء بدء سفرته أنْ قفز أمامه أرنب قال لنفسه (هذه عرضة أرنب) وقفل عائداً مشائماً, أما إذا قفز غزال في طريقه فهو يسر كثيراً ويدرك نجاح الرحلة.
واليوم وقد قل عدد الأرانب في الطريق الريفي, وغاب الغزال أيضا فقد صار السفر لا يحتاج لتعطيل, لكنَّ البعض من الشيوخ والكهول أمثالي يستخدم المسبحة لعمل الاستخارة قبل السفر.
ولكي لا أثقل عليكم وأبعدكم عن هذه الاستخارة لن أذكر تفاصيلها على صعيد الفأل والتطير وأدعوكم للقول عند السفر: (توكلت على الله ) وينتهي الأمر.
ومن مناقب السفر أنَّ أمرأة البيت أو واحدة من بناتها ترمي كمية من الماء قي عتبة الدار خلف المسافر أو المغادر بعيداً جلباً للخير ودفعاً للشرور مثل شر كورونا اللعينة ومن أتى بها لهذا العالم.